الشورى بين
أعضاء المجتمع
حدثنا
عبد الله حدثنى أبى ثنا علي بن عاصم عن حميد عن أنس وذكر رجلا عن الحسن قال:
استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأسارى يوم بدر، فقال: ”إن الله قد
أمكنكم منهم“، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: "يارسول الله، إضرب أعناقهم"،
فقال: فأعرض النبي صلى الله عايه وسلم، قال: ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: ”إن الله قد أمكنكم منهم، وإنما هم إخوانكم بالأمس“، قال: فقام عمر فقال: "يا
رسول الله، إضرب أعناقهم"، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد
النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر فقال: "يا رسول
الله، ان ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء"، قال: فذهب عن وجه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم، قال: فعفاهم وقبل منهم الفداء، قال: وأنزل
الله عز وجل ”لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم“ (إلى آخر الآية)1.
التخريج
:
روى هذا
الحديث أحمد بن حنبل فى مسنده عن أنس وعن الحسن. وفى رواية عن عمر بن الخطاب له
رواية طويلة حيث زاد هذه الكلمة- غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قاعد
وأبو بكر رضي الله عنه يبكيان، فقلت يارسول الله ما يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت
بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
الذى عرض علي أصحابك من الفداء لقد عرض علي عذابكم...2.
راوى
الحديث :
أنس هو
ابن مالك بن النصر الأنصارى الخزرجى البخارى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(سبق سيرته فى البر والصلة).
وأما
الحسن هو ابن علي بن أبى طالب بن عبد المطلب رضي الله عنهم أجمعين، يكنى أبا محمد.
ولد فى النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وأذن المصطفى صلى الله عليه وسلم فى
أذنه. وكان له من الولد خمسة عشر ذكرا وثمان بنات. فروى البخارى ومسلم فى روايتهما
عن البراء بن عازب: رأيت رسول الله عليه وسلم واضعا الحسن بن علي على عاتقه وهو
يقول: ”اللهم إنى أحبه فأحبه“3.
وحج خمس عشرة حجة ماشيا، وأن النجائب لتقاد بين يديه وخرج من ماله لله مرتين. وعن
عمير بن إسحاق قال: قال الحسن: "لقد ألقيت طائفة من كبدى وإنى قد سقيت السم
مرارا فلم أشق مثل هذه المرة". ومرض الحسن بن علي أربعين يوما، وتوفي لخمس
ليال خلون من ربيع الأول سنة خمسين. وقيل لسنة سبع وأربعين ودفن بالبقيع4.
التحليل
اللفظي :
إستشارى :
وفى القاموس، شاوره فى الأمر آى طلب منه
المشورة، تشاور واشتورى القوم معناه شاور بعضهم بعضا5.
الأسارى يوم بدر : وهم سبعون، كذلك القتلى سبعون. فأشار الصديق أن
يؤخذ منهم فدية تكون لهم قوة ويطلقهم لعل الله يهديهم للإسلام. ووقعة بدر سمي يوم
الفرقان وذلك فى رمضان. وقتل فيه أبو جهل، فأتى عبد الله ابن مسعود فقال:
"قتلته"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:”الحمد لله الذى صدق وعده، ونصر
عبده، وهزم الأحزاب وحده“، ثم قال:”هذا فرعون هذه الأمة“6.
لولا كتاب من الله : والآية بكاملها7،
لولا كتاب سبق لمسكم فيماعذاب عظيم! فكلوا
مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم!
فقه
الحديث :
إن
الله اصطفى من بنى آدم طائفة من رجالهم اختارهم بنفسه، واصطنعهم على عينه، وهيأهم
ليكونوا رسله يدعون الخلق إلى الحق وإلى طريق مستقيم ”رسلا مبشرين ومنذرين لئلا
يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما“8.
وقد
جرت عادة الله مع هؤلاء الرسل إذ كذبهم قومهم أو عارضهم أحد ممن بعثوا إليهم أن
يجري الله على أيديهم أحداثا لا تخضع لقوانين الطبيعة، ولاتدخل فى إطار السنن
المعتادة، ولا تنطبق عليه المقاييس المنطقية يحادون بها من كذبهم ويلجمون بها من
عارضهم. وقد صدق الله حيث يقول: ”وتلك حجتنا آتينا إبراهيم على قومه نرفع درجات من
نشا إن ربك حكيم عليم“9.
ومن
بديع الحكمة ودقة الحجة، أن كانت هذه الأحداث من نوع ما اشتهر فى زمن كل رسول من
علم وفن إمعانا فى التعجيز وإظهارا للضعف لتنبثق الحجة قوية ويتضح عجز المعارضين.
ونتأمل
كيف كان سيدنا عيسى عليه السلام، وقد اشتهر الطب فى أيامه ، كان يبرء الأكمه
والأبرص ويحيى الموتى، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله
عز وجل01.
وكذا موسى عليه السلام، وقد اشتهر السحر فى زمنه، كان يلقى عصاة على ما ألقي
السحرة من حبال وعصى، يسخرون بها أعين الناس، فيخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى،
فتلقف عصى موسى ما يأفك هؤلاء الساحرون، فيقع السحرة ساجدين قائلين: ”آمنا برب
العالمين! رب
موسى وهارون“11.
وبعد
أن أيد الله رسله بالمعجزات الباهرة العالية، أدبهم وعلمهم وأوجههم بمكارم الأخلاق
والسلوك، ومنها المشاورة. وقد طلب الله عز وجل من رسوله أن يشاور أصحابه فيما يطرأ
لهم من الشؤون ربطا للقلوب واحتراما للحرية للفكرية ورأي الجماعة. لقد استشار عمر
بن الخطاب بأخذهم بشدة ومعاملتهم مجرمي الحرب لا أسرى الحرب، واستشار أبا بكر
الصديق، فأشار بأخذهم بالرأفة والرحمة
”فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها“21.
و
قد كان رأى المصطفى صلى الله عليه و سلم مع رأي أبى بكر فأخذ به و رفض العمل برأي
عمر و من وافقه. فنزلت شديدة العتب على النبى صلى الله عليه و سلم فى أنه لم يأخذ
برأي الأخرين و قد كان هو الأوفق كالتهم فى ذلك الوقت ”ما كان لنبي أن يكون له
أسرى حتى يثخن فى الأرض“31.
و مرة ثانية جاء الأحزاب مجتمعين لحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و للقضاء على
دعوته. فاستشار أصحابه رضوان الله عليهم اجمعين فاستشاروا بحفر الخندق حول المدينة
و سميت الغزوة بغزوة الخندق, و انتصر فيها المسلمون و نزل فى شأنها قوله تعالى: ”و
لما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله و صدق الله و رسوله و ما
زادهم الا ايمانا و تسليما“41.
و
من هدي النبوة فى ذلك قول المصطفى صلى الله عليه و سلم: ”المستشار مؤتمن“51.
و قوله: ”استعينوا على أموركم بالمشاورة“.
و
قد سار على هذه الستة الجلية الخلفاء الراشدون بعده. فهذا أبو بكر الصديق خطب اول
ما ولى الخلافة خطبة تعتبر دستورا فى تثبيت دعائم الشورى للحاكمين، فقد قال:
"أيها الناس إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت
فقومونى"61.
تأمل
فيما تضمنه هذا الجزء من الخطبة تجد سيدنا أبا بكر رضي الله عنه طلب مراقبة مراقبة
الأمة له فى تنفيذ الشريعة، ويصرح بأنهم فى حل من عصيانه ان رأوه يخالف الدين،
لأنه يقول لهم فى وضوح وجلاء "أن عصيت فلا طاعة لى عليكم". والحاكم الذى
يبيح للناس بمخالفته إن أساء لايرضى ان يحكمهم وهم له كارهون.
والان
ننظر إلى ماحصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم لما أراد أن يضع مبدإ للتاريخ الإسلامي،
جمع كبار الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم فى هذا الرأي. وقد استقرت كلمتهم على
جعل هجرة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب مبدأ للتاريخ
الإسلامي. ولما جهز الجيوش فى الحروب الفارسية71،
إستشار أصحابه فيمن يقود هذه الجيوش، فأشاروا بسعد بن أبى وقاص فاختاره.وتمضى رحلة
حياته وتحضره الوفاة، فيوصى بأن تكون الخلافة فى بضعة نفر من كبار اصحابه يتشاورون
لانتخاب واحد منهم. وكذا عثمان بن عفان يستشير فى كثير من الأمور.
وهكذا مضت
المة الإسلامية على هذا لمبدا ويحرث عليه أشد الحرث فتحققت العدالة والرفاهية
والسلامة فى مجتمعهم. والشورى الإسلامية مرتبطة بقيم اختلاقية نابعة فن الدين
نفسه. ويمكن تصنيفهم تبعا للتعريف الموسع للشورى والذى يشمل جميع الأفراد والفئات.
ويقسمون إلى ثلاثة مستويات الأولى يشمل جمهورية المة والثانية يضم أهل الحل
والعقد، والثالثة أهل الإختصاص والعبرة.
الإستنباط:
وفي
الحديث الشريف اثارنا المصفى الكريم صلى الله عليه وسلم بالمشاورة في أمور دنيانا
وأخرتنا حتى لانكون من الخاسرين النادمين، وإذا عزمنا فعلينا أن نتوكل على الله
حقّ توكل. وفي الحديث الشريف أيضا نجد صنيفه وثقوته لأمته وأصحابه.
1 . الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل،
(بيروت- دار الفكر- بدون السنة) الجزء الثالث، ص: 234.
2 . الإملم أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل،
(بيروت- دار الفكر- بدون السنة) الجزء الأول، ص: 30-31.
3 . الإمام ابن حجر العسقلانى، الجزء السابع؛ 414،
والإمام مسلم، الجزء الثانى، ص: 456.
4 . الإمام جلال الدين السيوطى، تاريخ الخلفاء
(بيروت: دار الفكر، 1998) ص: 179.
5 . لويس مألوف، المنجد فى اللغة والأعلام، (بيروت:
دار الكاتولكية، 1974)، ص: 407، وأيضا مجد الدين الفيروزى، القاموس المحيط،
(بيروت: دار إحياء التراث العربية، 1994) الجزء الأول، ص: 591.
6 . الإمام محمد بن عبد الوهاب، مختصر سيرة رسول
الله، (القاهرة: دار السنة المحمدية، 1986) ص: 115.
7 . أنظر سورة الأنفال: 67.
8 . أنظر سورة النساء: 165.
9 . أنظر سورة الأنعام: 84.
51 . أنظر الإمام ابن ماجه، الجزء
الثانى، ص: 1233. والحديث عن ابن مسعود إسناده صحيح ورجاله ثقات، وله عن جابر بن
عبد الله: "إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه"، وفى إسناد أبى يعلى
واسمه محمد بن عبد الرحمن ابن أبى يعلى وأبوه عبد الرحمن الأنصارى القاضى وهو ضعيف
(أنظر تعليق محمد فؤاد عبد الباقى فى نفس الصفحة).
71 . أفادنا أمير بن عبد العزيز فى
كتابه- إستشار عمر الناس فى المسير إلى العراق من المدينة فحمل على رقاب الرجال
إلى المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والى المدينة ودفن بالبقيع (أنظر
ابن الجوزى، المجلد الأول، ص: 161).
Tidak ada komentar:
Posting Komentar