الأجور لفاعل الخير
حدّثنا يَحْيَى ابْنُ يَحيى، أخبرنا هُشَيم عن صالح بن صالح الهَمْدانِى عن الشِّعْبي حدثنى أبو بُردَة بن أبى موسى عن أبيه أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال :
" ثَلاَثَةٌ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمَنَ بِهِ واتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوْكٌ أَدَّى حَقَّ اللهِ تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ(1).
1) التخريج :
أخرج هذا الحديث الإمام البخارى فى كتاب العلم فى باب تعليم الرجال أمته وأهله، وفى كتاب الجهاد فى باب فضل من أهل الكتابيين(2). وكذلك رواه بعض أصحاب السُّنَن.
2) راوى الحديث :
هو أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى. روى هذا الحديث عن أبيه وحذيفة، وعبد السلام بن سلام، والأعز المزنى، والمغيرة، وعائشة وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعنه أولاده سعيد وبلال، وحفيده أبو بردة يزيد بن عبد الله. وقال العجلى فى حقه : كان على قضاء الكوفة بعد شريح، وكان كاتبه سعيد بن جبير. مات سنة أربع ومائة. وزاد ابن حبان : وقد نيف على الثمانين. فقيل : مات سنة سبع ومائة(3).
3) معانى المفردات :
- ثلاثة يؤتون أجرهم : معناه ثلاثة من الرجال.
- رجل من أهل الكتاب : هم اليهود والنصارى.من أهل الكتاب آى الإنجيل. وفى رواية للبخارى : رجل آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام بدل آمن بنبيه.
- وآمن به : فيما جاء به إجمالا وتفصيلا.
- فله أجران : أجر الإيمان بنبيه، وأجر الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. واعلم أن أهل الكتاب أقسام : قسم غيَّروا وبدَّلوا وماتوا على ذلك فهم كفَرَة. وقسم لاَ وَلاَ وماتوا قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهم مؤمنون ولهم أجر واحد. وقسم أدركوا بعثته ودعاهم فلم يؤمنوا فهم كفار. وقسم آمنوا به فلهم أجران، والحديث فيهم.
- وعبد مملوك : وصفه به لأن جميع الناس عباد الله، فأراد تمييزه بكونه مملوكا للناس.
- أدى حق الله : من الصلاة ونحوها.
- وحق سيده : وحق مواليه، هذا فى رواية البخارى. بأن خدمه ونصح جهده له، لأن من اجتمع عليه فرضان فأداهما ليس كمن عليه فرض واحد.
- فله أجران : أجر تأديته للعبادة، وأجر نصحه وإحسانه. والمراد له أجران من هذه الجهة. وقد يكون لسيده جهات آخر يستحق بها أضعاف ذلك.
- ورجل كانت له أمة : وفى رواية للترمذي : له جارية وضيئة.
- أدَّبها : بحسن الخلق.
4) فقه الحديث :
الإسلام أن تسلم وجهك لله وأنت محسن. ومن أسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. ومن كان كذلك قويا محصنا من جميع من جميع الآفات والأراء والهدامة. من كان كذلك إستطاع السير فى الطريق المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ومن سار فى هذا الطريق وصل سليما إلى الغاية القصوى والنهاية العظمى. وصل فى يده اليمنى السلام والصدق واليقين، وفى يده اليسرى شعلة النجاح ومصباح الحياة. ومن كان كذلك لا يعرف الإستسلام إليه سبيلا، ولا يدخل إلى قلبه الوهن والحزن. بل هو الأعلى لأنه مؤمن مصدق بالله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. ومن أسلم سلم من ضعف المستضعفين. واستعان برب العالمين. وهدى إلى صراط مستقيم. أما المسلم الذى يظهر على غير هذه الحال فهو من المصابين ببعض الآفات ومن المرضى بوباء الخذلان.
من قواعد الدين الإسلامي أنه يجب على المؤمن أن يعد منفعة أخيه لنفسه. ويعتقد أن المال الذى بيده للمسلمين فيه حق المنفعة وإن كان تحت تصرفه. فإن هذا التصرف مشروط لعدم التبذير والإسراف. ألا ترى أن الصبي والرجل المبذر السفيه يحجر عليه ويمنع من التصرف بما له وما ذاك إلا لأنه يضيع ما لا يحق لأمته أن تستفيد منه عند الحاجة. قال الله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما. وأصاف تعالى مال السفيه للمسلمين باعتبار أنهم جسد واحد واختصاص الورثة بذلك المال لا يفرجه من هذه القاعدة، فإن الوارثة من المسلمين الذين لو تركهم عالة وبدون سبب وجب حقهم فى بيت مال المسلمين. وقد نهى الشارع أن يوصى الرجل بأكثر من الثلث خشية ترك الورثة عالة يتكفئون الناس وقد أوجب الله الزكاة فى أموال الأغنياء للفقراء، وهذا من الإنتفاع بماله وكذلك اختلافهم فى عفوى المقتول عن القاتل ووضع الدية عنه وإبرائه من ذلك، هل يقبل منه ذلك أم لا، لتعلق حق الوارث بذلك، ولما جعل الشارع المؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضا، فمما لا نزاع فيه أن البناء إذا أريد هدمه، فإن العامل بدأ فى قلع الأحجار الصغيرة أو الضعيفة ليسهل عليه قلع الحجار الكبيرة والصلبة. ولما كان المؤمنون كالجسد الواحد مما لا نزاع فيه أن الإنسان الواحد تتفاوت أعضاء جسمه فى الخدمات وتأدية الوظائف التى تتطلبها مصلحة البدن العامة. وحيث أن الشريعة الإسلامية لم تترك شيئا من مقتضيات الحياة إلا بينته. فقد اعتبرت المسلمين سواء فى الحقوق إذا أخلصوا العمل لله وأدوا ما عليهم حسب وسعهم وإن تفاوت ثمرات سعيهم ما داموا لا يدخرون شيئا من قدرتهم التى تفيد الإسلام. ولا يجوز احتقار واحد منهم ما دام متبعا طريق الصواب متمسكا بالأحكام التى كلفته بها الشريعة الإسلامية.
ما أحسن هذه التوجيهات النبوية الشريفة، إذا فلا بد للسائرين بهذه الشريعة العظمى أن يحترزوا أوقاتا معينة ومتوالية حتى يكونوا من أهلها وفاعلها. نسأل الله التوفيق لى ولكم. فالعبد المملوك والمجبور مطلوب بامتثال أوامر الله عز وجل ونفذ أوامر سيده ومالكه له أجران. وما إذن للأحرار؟ فعلى الأحرار أن يبذلوا طاقتهم وقوتهم حتى يكتسبوا الأجور أكثر وأكثر منهم.
فكلمة "رجل كانت له أمة إلخ" دليل واضح كالشمس على وجوب مد يد المعونة للجميع، وذلك لحماية حقوق الإنسانية والبشرية. وانظر قوله تعالى "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"(4). ومن هنا أيضا نجد البشارة النبوية على تربية الأهل من الزوجة والأولاد معا بأحسن التربية والتأديب كما جاء فى عدة آيات الله البينات : "يايَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً"(5).
ومن أين نبدأ التعليم والتأديب؟ وانظر هذه الآية الكريمة : "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"(6). ومن هنا نعلم أن الوحي مصدر العلم والمعرفة حقا وهو دين خاتم الأنبياء والمرسلين. وكان كتابا جامعا شاملا وتبيانا لكل شيء. وصدقت عائشة بقولها "كان خلقه القرآن".
وأما تزويج المرء القوي البائسات والمضطرات والحقيرات لهو أمر مطلوب ومحمود. ومن هنا تكون حياتهن ومعيشتهن سعيدة ومفيدة ومعمورة بعد العيلة والفقر والحقير. وهذا الجهد العظيم يثاب بأجر عظيم. والله أعلم.
5) الإستنباط :
نستنبط من هذا الحديث الكريم على عظيم الأجر والثواب من رب العباد لمن اختار الإسلام دينا ويقينا، ولمن جهد فى أداء لحقوق الله عز وجل وحقوق سيده، ولمن يسير فى وجه الأرض بالرحمة والشفقة للضعفاء. والله أعلم.
(2) الإمام إبن حجر العسقلانى، الجزء الأول، ص 256. وانظر أيضا أطراف الحديث فى باب فضل من أدب جاريته وعلمها (رقم الحديث 2533). وفى باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده (رقم الحديث 2546). وفى باب كراهية التطاول على الرقيق (رقم الحديث 2551). وفى كتاب الأنبياء فى باب "واذكر فى الكتاب مريم" (رقم الحديث 3446). وفى كتاب الجهاد فى باب فضل من أسلم من أهل الكتابين (رقم الحديث 3011).
Tidak ada komentar:
Posting Komentar