Jumat, 20 Januari 2012

الجهر بمنع البروز على شاطئ النهر

الجهر بمنع البروز على شاطئ النهر
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وقع في هذه الأيام أن رجلا له بيت بالروضة على شاطئ النيل أصله قديم على سمت جدران بيوت الجيران الأصلية ثم أحدث فيه من بضع عشرة سنة بروز ذرعه إلى صوب البحر نحو عشرين ذراعا بالذراع الشرعي بحيث خرج عن سمت بيوت الجيران القديمة ثم أراد في هذه الأيام أن يحدث فيه بروزا ثانيا قدام ذلك البروز الأول متصلا به فحفر له أساسا ذرعه إلى صوب البحر ستة عشر ذراعا بالذراع الشرعي بحيث يصير مجموع البروزين ستة وثلاثين ذراعا واقعة في حريم النهر وأرضه التي هي عند احتراق النيل مشرع له وطريق للواردين والمارين فقلت له لا يحل لك ذلك باتفاق المذاهب الأربعة فشنع علي في البلد أني أفتيت بهدم بيوت الروضة وهذا كذب محض وإشاعة باطلة فإن البيوت القديمة الباقية على أصولها لا يحل التعرض لها وإنما <ص الكلام في البروز الحادث وما يراد إحداثه الآن وكثير من الناس يظنون أن مذهب الشافعي: جواز البروز مطلقا وليس كذلك بل شرطه أن لا يكون في شارع ولا في حريم نهر ولا نحو ذلك مما هو مبين في كتب الفقه وقد وقع في حياة شيوخنا إن أيبك الخاصكي بنى بيتا بمصر تجاه جامع الريس وبرز فيه على شاطئ النهر فاستفتى الشيخ الإمام العلامة المحقق جلال الدين المحلى الشافعي فأفتى بمنعه من ذلك وعلله بأن شطوط الأنهار لا تملك ولا يجوز إحياؤها ولا البناء فيها وهذا هو منقول المذهب نص عليه إمامنا الشافعي رضي الله عنه وسائر أصحابه ولا نعلم في ذلك خلافا في المذهب بل ولا في بقية المذاهب الأربعة بل الأئمة وأتباعهم متفقون على هذا الحكم. وهذه نبذة من نقول الأئمة في ذلك:

ذكر نقول مذهبنا (الشافعية)
     قال الرافعي في الشرح والنووي في الروضة: حريم المعمور لا يملك بالإحياء والحريم هو المواضع القريبة التي نحتاج إليها لتمام الانتفاع كالطريق ومسيل الماء ونحوه ثم تكلما على حريم الدار وحريم القرية ثم قالا والبئر المحفورة في الموات حريمها الموضع الذي يقف فيه النازح وموضع الدولاب ومتردد البهيمة ومصب الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزرع من حوض ونحوه والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه وكل ذلك غبر محدود وإنما هو بحسب الحاجة كذا قاله الشافعي والأصحاب وفي وجه حريم البئر قدر عمقها من كل جانب وبهذا يقاس حريم النهر- هذا كلام الشيخين، ثم قالا بعد ذلك عمارة حافات هذه الأنهار من وظائف بيت المال ويجوز أن يبنى عليها قنطرة لعبور الناس لأن ذلك من مصالح المسلمين انتهى. وقال الشيخ تقي الدين السبكي في شرح المنهاج ما نصه فرع عن أبي حنيفة لا حريم للنهر وعن أبي يوسف ومحمد له حريم وهو مذهبنا قال ورأيت في ديار مصر من الفقهاء من يستنكر العماير التي على حافات النيل ويقول أنه لا يجوز إحياؤها قال وهذا قد عمت به البلوى في جميع البلدان قال وإذا رأينا عمارة على 0حافة نهر لا نغيرها لاحتمال أنها وضعت بحق وإنما الكلام في الابتداء أو فيما عرف حاله، ثم قال ومما عظمت البلوى به اعتقاد بعض العوام أن أرض النهر ملك بيت المال وهذا أمر لا دليل عليه وإنما هو كالمعادن الظاهرة لا يجوز للإمام إقطاعها ولا تمليكها بل هو أعظم من المعادن الظاهرة في ذلك المعنى والمعادن الظاهرة إنما امتنع التملك والاقطاع فيها لشبهها بالماء وبإجماع المسلمين على المنع من إقطاع مشارع الماء لاحتياج جميع الناس إليها فكيف يباع قال ولو فتح هذا الباب لأدى إلى أن بعض الناس يشتري أنهار البلد كلها ويمنع بقية الخلق عنها فينبغي أن يشهر هذا الحكم ليحذر من يقدم عليه كائنا من كان ويحمل الأمر على أنها مبقاة على الإباحة كالموات وأن الخلق كلهم يشتركون فيها، وتفارق الموات في أنها لا تملك بالأحياء ولا تباع ولا تقطع وليس للسلطان تصرف فيها بل هو وغيره فيها سواء فإن وجدنا نهرا صغيرا بيد قوم مخصوصين مستولين عليه دون غيرهم فهو ملكهم يتصرفون فيه بما شاؤوا وإن لم يكن ملكا ولكن فيه مشارب لقوم مخصوصين فحقوقهم فيه على تلك المشارب يتصرفون فيها بالطريق الشرعي - هذا كله كلام السبكي، وهو تصريح بالنقل عن مذهبنا أن النهر له حريم لا يجوز تملكه ولا أحياؤه ولا البناء فيه ولا بيعه ولا إقطاعه، وقال في فتاويه الأنهار ومجاريها العامة ليست مملوكة بل هي إما مباحة لا يجوز لأحد تملها وإما وقف على جميع المسلمين ولا شك أن الأنهار الكبار كالنيل والفرات مباحة كما صرح به الفقهاء في كتبهم ولا يجوز تملك شيء منها بالإحياء لا بالبيع من بيت المال ولا بغيره وكذلك حافاتها التي عموم الناس إلى الإرتفاق بها لأجلها والأنهار الصغيرة التي حفرها قوم مخصوصون معرفون مملوكة لهم كسائر الأملاك المشتركة انتهى بحروفه، وهو تصريح بالنقل عن الفقهاء أن حافات النيل لا يجوز تملكها ولا إحياءها، وقال في شرح المنهاج فرع شخص أراد أن يغرس على حريمه على ماء جار شجرة جاز وأن كان النهر مشتركا لأنه لا يضر بهم كما يتخذ على باب داره مشرعا، وفي فتاوي القفال: رجل له دار في موضع ويجري نهر على باب داره فأراد أن يغرس شجر على جانب النهر بحذاء داره لم يجز فقيل له هذا كما لو بنى دكة في الشارع فقال ليس كذلك انتهى. فإذا منع القفال من غرس شجرة فما ظنك بالبناء، وقال الزركشي في شرح المنهاج حافات النيل والفرات لا يجوز تملك شيء منها بالأحياء ولا بالابتياع من بيت المال ولا غيره قال وقد عمت البلوى بالأبنية على حافات النيل كما عمت بالقرافة مع أنها مسبلة، وذكر الدميري في شرح المنهاج نحو ذلك، وقد راجعت نص الشافعي فوجدته نص في مختصر المزني وفي الأم على أن النهر والماء الظاهر لا يملكه أحد من الناس ولا يصح لأحد أن يقطعه بحال والناس فيه شرع والمسلمون كلهم شركاء في ذلك - هذا نصه في الكتابين، زاد في الأم ولو أحدث على شيء من هذا بناء قيل له حول بناءك ولا قيمة له فيما أحدث بتحويله، وقال ابن الرفعة في الكفاية الحرائم هي المواضع القريبة التي يحتاج إليها لتمام الانتفاع بها سميت بذلك لأنها يحرم التعرض لها بنوع عدوان وذلك يختلف باختلاف المحيا وذكر نحو ما تقدم عن الرافعي والنووي ثم قال وحمل الأصحاب قوله صلى الله عليه وسلم (حريم البئر أربعون ذراعا) على آبار الحجاز فإنها تكون عميقة تحتاج في المواضع التي يمر فيها الثور إلى ذلك المقدار وحريم النهر ملقى النهر للطين وما يخرج منه من التقن وهو رسابة الماء، وقال البغوي في التهذيب من حريم النهر ملقى الطين وما يخرج منه، وقال الخوارزمي في الكافي حريم النهر ما يلقى فيه الطين عند الحفر، وقال السبكي في شرح المنهاج في سنن البيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حريم البئر أربعون ذراعا من جوانبها كلها) وعن ابن المسيب حريم البئر البدئي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها وحريم العادي خمسون ذراعا من نواحيها كلها وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها، قال الزهري وسمعت الناس يقولون حريم العيون خمسمائة ذراع وعن أبي هريرة مرفوعا مثل قول ابن المسيب وعن ابن عباس حريم البئر خمسون ذراعا وحريم العين مائتا ذراع، ثم قال السبكي: والشافعي لم ير التحديد وحمل اختلاف الروايات على القدر المحتاج إليه وبهذا يقاس حريم النهر قال ومن حريم النهر ملقى طينه وما يخرج منه مما يحتاج إلى إلقائه عند حفره قال وفي كلام الأصحاب وملقى تقنه وهو ما ينحى مع الماء وسمى الرسابة، وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته) وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حريم البئر مد رشائها) وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حريم النخلة مد جر يدها) قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ إذا أحيا أرضا ليغرس فيها وغرس فليس لغيره أن يغرس بجواره بحيث تلتف أغصان الغراس وبحيث تلتقي عروقها، وقال الماوردي حريم الأرض المحياة للزراعة طرقها ومفيض مائها وبيدر زرعها وما لا يستغنى عنه من مرافقها. انتهى ما في شرح المنهاج للسبكي في ضبط الحريم، وقال الغزى في أدب القضاء مسألة لا يجوز لأحد أن يبنى سكرا في النهر العام الكبير الذي ليس بمملوك لأن النهر العام كالطريق المسلوك العام ولو أراد أن يضع صخرة في طريق واسع منع منه، وفي فتاوى ابن الصلاح:     
     مسألة - إذا أراد رجل أن يبني عمارة سكر في النهر الكبير الذي ليس بمملوك ثم يبنى عليه طاحونة وناعورة ولا يضر بمن هو فوقه ولا بمن هو أسفل منه هل له ذلك ويكون ذلك أحياء له ويكون بمنزلة الموات الذي يملك بالأحياء حتى يملك قرار النهر الذي يبنى عليه العمارات ويملك حريمه أم لا؟
     أجاب ليس له ذلك فإنه لا يخلو عن ضرر فإنه يمنع من أن ينحدر في مكانه بسباحة أو سفينة أو نحو ذلك وطريق الماء العام كطريق السلوك العام ولو أراد مريد أن يضع صخرة في طريق شارع واسع منع منه وهذا شر من ذلك من وجه ولو قدر خلو ذلك عن الضرر لم يجز ملك ذلك الموضع كما لا يملك شيئا من الطرق الواسعة بشيء من الاختصاصات الجائزة.

ذكر نقول الحنفية
     قال في الهداية: ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم لتحقق حاجاتهم إليها فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها بمنزلة الطريق والنهر وعلى هذا قالوا لا يجوز أن يقطع الإمام ما لا غنى للمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقى الناس منها لما ذكرنا ومن حفر بئرا في برية فله حريمها فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا وإن كانت للناضح فحريمها ستون ذراعا عندهما وعند أبي حنيفة أربعون ذراعا لهما إلى أن قال وإن كان عينا فحريمها خمسمائة ذراع بالتوقيف والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب والذراع هي المكسرة فمن أراد أن يحفر في حريمها منع منه، ثم قال والقناة لها حريم بقدر ما يصلح وعن محمد أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم وقيل هذا عندهما وعنده لا حريم لها ما لم يظهر الماء لأنه نهر في التحقيق فيعتبر بالنهر الظاهر قالوا وعند ظهور الماء على الأرض فهو بمنزلة عين فوارة فيقدر بخمسمائة ذراع والشجرة تغرس في ارض موات لها حريم أيضا حتى لم يكن لغيره أن يغرس شجرا في حريمه لأنه يحتاج إلى حريم له يجد ثمره ويضعه فيه وهو مقدر بخمسة أذرع وبه ورد الحديث وما تركه الفرات أو دجلة وعدل عنه الماء ويجوز عوده إليه لم يجز أحياؤه لحاجة العامة إلى كونه نهرا وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر لأنه ليس في ملك أحد لأن قهر الماء يدفع قهر غيره ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريم عند أبي حنيفة إلا أن يقيم بينة على ذلك وقالا له مسناة النهر يمشى عليها ويلقى عليها طينه ثم عن أبي يوسف أن حريمه مقدار نصف بطن النهر من كل جانب وعن محمد مقدار بطن النهر من كل جانب وهذا أرفق بالناس، ثم قال أعلم أن المياه أنواع منها ماء البحار ولكل واحد من الناس فيها حق الشفه وسقي الأراضي حتى إن من أراد أن يكرى منها نهرا إلى أرضه لم يمنع من ذلك والانتفاع بماء البحر كالانتفاع بالشمس والقمر والهواء فلا يمنع من الانتفاع به على أي وجه شاء، والثاني ماء الأودية العظام كجيحون وسيحون ودجلة والفرات للناس فيه حق الشفه على الإطلاق وحق سقي الأراضي فإن أحيا واحد أرضا ميتة وكرى منها نهر ليسقيها إن كان لا يضر بالعامة ولا يكون النهر في ملك أحد له ذلك لأنها مباحة في الأصل إذ قهر الماء يدفع قهر غيره وإن كان يضر بالعامة فليس له ذلك لأن دفع الضرر عنهم واجب وعلى هذا نصب الرحى عليه لأن شق النهر للرحى كشقه للسقي ثم قال الأنهار ثلاثة نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد كالفرات ونحوه وهذا كريه على السلطان من بيت مال المسلمين لأن منفعة الكرى لهم فتكون مؤنته من الخراج والجزية دون العشر والصدقات فإن لم يكن في بيت المال شيء فالإمام يجبر الناس على كريه أحياء لمصلحة العامة انتهى ملخصا، وقال القدوري ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم ومن حفر بئرا في برية فله حريمها فإن كانت للتعطن فحريمها أربعون ذراعا وإن كانت للناضح فستون ذراعا وإن كانت عينا فحريمها ثلثمائة ذراع فمن أراد أن يحفر في حريمها منع منه، وما ترك الفرات ودجلة وعدل عنه الماء ويجوز عوده إليه لم يجر أحياؤه وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر من أحياه بإذن الإمام ملكه ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريمه عند أبي حنيفة إلا أن يقيم بينة على ذلك وقال أبو يوسف ومحمد له مسناة النهر يمشى عليها ويلقى عليها طينه انتهى. وقد عرف بهذا النص وغيره من كتب الحنفية أن الذي نقله السبكي عن أبي حنيفة من أنه لا حريم للنهر إنما هو في النهر المملوك في أرض الغير لا في الأنهار الكبار المباحة كالنيل والفرات وقال صاحب النافع وهو الإمام أبو المفاخر السويدي الزوزني ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر يترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم ومن حفر بئرا فله حريمها فإن كانت بئر العطن فحريمها أربعون ذراعا وإن كانت بئرا لناضح فستون ذراعا وإن كان عينا فحريمها خمسمائة ذراع من كل جانب فمن أراد أن يحفر في حريمها منع منه وما تركه الفرات أو دجلة وعدل عنه ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه لحاجة النهر إليه فإن كان لا يمكن أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما للعامر ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريمه عند أبي حنيفة إلا أن تكون له بينة عليه وقال أبو يوسف ومحمد له مسناة النهر يمشى عليها ويلقى عليها طينه، وفي فتاوي قاضي خان لو حفر بئرا في المفازة أو في موضع لا يملكه أحد بإذن الإمام كان له ذلك وله ما حوله أربعون ذراعا حريما للبئر ولو حفر نهرا في مفازة بإذن الإمام قال أبو حنيفة لا يستحق للنهر حريما وقال صاحباه يستحق مقدار عرض النهر حتى إذا كان مقدار عرض النهر ثلاثة أذرع كان له من الحريم مقدار ثلاثة أذرع من الجانبين من كل جانب ذراع ونصف في قول الطحاوي وعن الكرخي مقدار عرض النهر، هذا في النهر الذي حفره إنسان وملكه، وقال في موضع آخر ولو احتفر رجل قناة بغير إذن الإمام في مفازة وساق الماء حتى أتى به أرضا فأحياها فإنه يجعل لقناته ولمخرج مائه حريما بقدر ما يصلح وهذا قول أبي يوسف ومحمد فأما عند أبي حنيفة إذا فعل ذلك بإذن الإمام فإنه يستحق الحريم للموضع الذي يقع الماء فيه على وجه الأرض وإن كان بغير إذن الإمام لا شيء له لأن عند أبي حنيفة من احتفر نهرا لا يستحق له الحريم والقناة إلا أن يقع الماء على وجه الأرض بمنزلة النهر، وقال في موضع آخر إذا أحيا رجل أمواتا ليس لها شرب وحفر لها من نهر للعامة حافتها غير مملوكة وساق إليها ما يكفيها من الماء ينظر إن كان ذلك لا يضر بالعامة كان له ذلك وإن كان يضر بالعامة ليس له أن يفعل ذلك ولا للإمام أن يأذن له بذلك وكذا ليس للإمام أن يزيد في النهر العظيم كوة أو كوتين إن كان يضر بالعامة وفي النهر الخاص المملوك ليس له أن يفعل ذلك أضر بصاحب الملك أم لم يضر لأن حافة النهر ملكه فلا يملك حفرها وسعتها، وقال في موضع آخر الأنهار ثلاثة الأول النهر العظيم الذي لم يدخل في المقاسم كالفرات ودجلة وجيحون وسيحون والنيل إذا احتاج إلى الكرى فإصلاح شطه يكون على السلطان من بيت المال فإن لم يكن في بيت المال مال يجبر المسلمون على كريه وإن أراد واحد من المسلمين أن يكرى منها نهرا لأرضه كان له ذلك إذا لم يضر بالعامة بأن ينكسر شط النهر ويخاف منه الغرق فيمنع من ذلك، ثم قال نهر يجري في سكة تحفر في كل سنة مرتين ويجتمع تراب كثير في السكة قالوا إن كان التراب على حريم النهر لم يكن لأهل السكة تكليف أرباب النهر نقل التراب وإن كان التراب جاوز حريم النهر كان لهم ذلك وكذلك نهر لقوم يجري في أرض رجل حفروا التراب وألقوا التراب في أرضه إن كان التراب في حريم النهر لم يكن لصاحب الأرض أن يأخذ أصحاب النهر برفع التراب لأن لهم إلقاء التراب في حريم النهر فإن ألقوا التراب في غير حريم النهر كان له أن يأخذهم برفع التراب، وقال في موضع آخر رجل بنى في الطريق الأعظم بناء لا يضر بالطريق فعثر به إنسان فعطب أو دابة فتلفت كان ضامنا ولكل واحد من الناس حق المنع والمطالبة بالرفع وكذا لو نصب على نهر العامة طاحونة لا تضر بالنهر فكالطريق ولكل واحد حق المنع والرفع فإن ضر في الحالين ترتب عليه الإثم أيضا ولو جعل على نهر العامة قنطرة بغير إذن الإمام ولم يزل الناس والدواب يمرون عليه ثم انكسر أو وهي فعطب به إنسان أو دابة ضمن فإن كان بإذن الإمام لم يضمن لأنه فعله حسبة وممرا للناس انتهى ملخصا، وفي فتاوى البزازي المياه ثلاثة في عامة العموم كالأنهار العظام مثل دجلة وجيحون وسيحون ليست مملوكة لأحد فيملك كل أحد سقى دوابه وأرضه ونصب الطاحونة والدالية والسانية واتخاذ المشرعة والنهر إلى أرضه بشرط أن لا يضر بالعامة فإن أضر منع فإن فعل فلكل أحد من أهل الدار منعه المسلم والذمي والمكاتب فيه سواء ثم قال النهر الأعظم كريه من بيت المال وإصلاح مسناته أيضا لأنه للعامة وإن لم يكن في بيت المال مال واحتاج المسناة والنهر إلى العمارة يجبر العامة، وقال صاحب الكافي ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم لتحقق حاجتهم إليها فصار كالنهر والطريق وعلى هذا قالوا لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى للمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستسقى الناس منها ومن حفر بئرا في أرض موات فله حريمها أربعون ذراعا لقوله عليه السلام (من حفر بئرا فله حريمها أربعون ذراعا) لأن حافر البئر لا يتمكن من الانتفاع ببئره إلا بما حولها فإنه يحتاج إلى أن يقف على شفير البئر ليستسقي الماء والى أن يبنى على شفير البئر ما يركب عليه البكرة والى أن يبني الحوض يجتمع فيه الماء والى موضع تقف فيه مواشيه عند الشرب والى موضع تنام فيه مواشيه بعد الشرب فاستحق الحريم لذلك وقدره الشرع بأربعين ثم قيل أربعون ذراعا من الجوانب الأربعة في كل جانب عشرة أذرع لأن ظاهر اللفظ يجمع الجوانب الأربعة والصحيح أن المراد به أربعون ذراعا من كل جانب لأن المقصود دفع الضرر عن صاحب البئر وهو لا يندفع بعشرة أذرع من كل جانب فإن كانت الناضح وهي التي تنزح الماء منها بالبقر فكذلك عند أبي حنيفة أربعون ذراعا وعندهما حريمها ستون ذراعا لقوله عليه السلام (حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح ستون ذراعا) لأن استحقاق الحريم باعتبار الحاجة وحاجة صاحب بئر الناضح أكثر، وحريم العين خمسمائة ذراع لما روينا ولأنه يحتاج فيها إلى زيادة المسافة والتوقيف ورد بخمسمائة فاتبعناه إذ لا يدخل الرأي في المقادير، ثم عند بعضهم خمسمائة من الجوانب الأربعة من كل جانب مائة وخمسة وعشرون ذراعا والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب، والذراع هو المكسرة وهو ست قبضات وكان ذراع الملك سبع قبضات فكسر منه قبضته، ثم قال وما ترك الفرات أو دجلة وعدل عنه الماء ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه لحاجة النهر إليه، ثم قال الأنهار ثلاثة نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد كالفرات ودجلة والنيل فكريه على السلطان إن احتاج إليه من بيت المال لأن ذلك من حاجة عامة المسلمين وبيت المال معد للصرف إلى مصالح المسلمين فإن لم يكن في بيت المال شيء فللإمام أن يجبر الناس على كريه لأنه نصب ناظرا وفي تركه ضرر عام، وفي خلاصة الفتاوى: المياه ثلاثة في نهاية العموم كالأنهار العظام كدجلة والفرات وجيحون وسيحون وهي ليست مملوكة لأحد ولكل أحد أن يستقى منها ويسقى دابته وأرضه ويشرب منه ويتوضأ به ولكل واحد نصب الطاحونة والسانية والدالية واتخاذ المشرعة واتخاذ النهر إلى أرضه بشرط أن لا يضر بالعامة فإن أضر منع من ذلك فإن لم يضر وفعل فلكل واحد من أهل الدار مسلم أو ذمى أو امرأة أو مكاتب منعه، وفي مجمع البحرين وحريم بئر الناضح أربعون كالعطن وقالا ستون وتقدر للعين خمسمائة من كل جانب ويمنع غيره من الحفر فيه ويلحق ما امتنع عود دجلة والفرات إليه بالموات إذا لم يكن حريما لعامر وإن جاز عوده لم يجز إحياؤه، قال ابن فرشته 0في شرحه: لأن حق المسلمين قائم لجواز العود وكونه نهرا، ثم قال في المجمع: والنهر في ملك الغير لا حريم له إلا ببينة وقالا له حريم بقدر إلقاء الطين ونحوه وقيل هذا بالاتفاق، قال ابن فرشته وفي المحيط قال المحققون للنهر حريم بقدر ما يحتاج إليه بالاتفاق لضرورة الاحتياج إليه، وقال شمس الدين بن يوسف القونوي في درر البحار وحريم بئر النضح أربعون كالعطن وقالا ستون خمسمائة من كل جانب ويمنع غيره منه ولحق بالموات ما امتنع عود نحو دجلة إليه غير الحريم ويقدر حريم النهر بنصف النهر من جانبيه لا كله في وجه.

ذكر نقول الحنابلة
     قال في المغني وهو أجل كتب الحنابلة وعلى منواله نسج الشيخ محي الدين النووي كتابه شرح المهذب ما نصه: وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه من طرقه ومسيل مائة ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته فلا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب وكذلك ما تعلق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل مياهها لا يملك بالأحياء ولا نعلم فيه أيضا خلافا عن أهل العلم وكذلك حريم البئر والنهر والعين وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه لقوله عليه الصلاة والسلام (من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له) فمفهومه أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالأحياء انتهى، وقال في موضع آخر المعادن الظاهرة وهي التي توصل إلى ما فيها من غير مؤونة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والماء والكبريت والكحل ومقالع الطين وأشباه ذلك لا يملك بالأحياء ولا يجوز اقطاعه لأحد من الناس ولا احتجاره دون المسلمين لأن فيه ضررا بالمسلمين وتضييقا عليهم ولأنه يتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه ولا اقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين، وقال في موضع آخر وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالأحياء قال أحمد في رواية العباس ابن موسى إذا نضب الماء عن جزيرة إلى قناة رجل لم يبن فيها لأن فيه ضررا وهو أن الماء يرجع إلى ذلك المكان فإذا وجده مبنيا رجع إلى الجانب الآخر فأضر بأهله ولأن الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظاهرة انتهى، وذكر نحوه غير واحد من المؤلفين، وفي المستوعب: وما نضب عنه الماء من الرفاق والجزائر فليس لأحد أن يتملكه ولا يجري ذلك مجرى الأرض الموات نص عليه في رواية إبراهيم في دجلة يصير في وسطها جزيرة فيها طرق فأجازها قوم فقال كيف يجوزونها وهي شيء لا يملكه أحد وقال في رواية يوسف بن موسى إذا نضب الماء من جزيرة إلى فناء رجل هل يبنى فيه قال لا فيه ضرر على غيره لأن الماء قد يعود إليه وأن لم يعد بعد فهو طريق لكافة المسلمين.
     [فائدة لطيفة]: قال ابن الحاج في المدخل: ليس للإنسان في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه، وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين فإذا بسط لنفسه شيئا ليصلي عليه احتاج لأجل سعة ثوبه أن يبسط شيئا كبيرا ليعم ثوبه على سجادته فيكون في سجادته اتساع خارج فيمسك بسبب ذلك موضع رجلين أو نحوهما أن سلم من الكبر من أنه لا ينضم إلى سجادته أحد فإن لم يسلم من ذلك وولى الناس عنه وتباعدوا منه هيبة لكمه وثوبه وتركهم هو ولم يأمرهم بالقرب إليه فيمسك ما هو أكثر من ذلك فيكون غاصبا لذلك القدر من المسجد فيقع بسبب ذلك في المحرم المتفق عليه المنصوص عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حيث قال (من غصب شبرا من الأرض طوقه يوم القيامة إلى سبع أرضين) وذلك الموضع الذي أمسكه بسبب قماشه وسجادته ليس للمسلمين به حاجة في الغالب إلا في وقت الصلاة وهو في وقت الصلاة غاصب له فيقع في هذا الوعيد بسب قماشه وسجادته وزيه فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد هو إلى أن يمتلئ المسجد بالناس ثم يأتي كان غاصبا لذلك الموضع الذي عملت السجادة فيه لأنه ليس له أن يحجزه وليس أحد فيه إلا موضع صلاته انتهى.

ذكر الأحاديث الواردة في إثم من ظلم شيئا من الأرض وطريق المسلمين
     أخرج البخاري عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين) وأخرج البخاري ومسلم عن سعيد بن زيد قال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين) وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه كانت بينه وبين الناس خصومة في أرض فدخل على عائشة فذكر لها ذلك فقالت يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) وأخرج البخاري عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة) وأخرج البزار في سنده عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ملعون من تولى غير مواليه ملعون من ادعى إلى غير أبيه ملعون من غير علام الأرض) وأخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك عن علي بن أبي طالب قال هذا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من ذبح لغير الله ومن تولى لغير مواليه ولعن الله العاق لوالديه ولعن الله منتقص منار الأرض) وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله من تولى غير مواليه ولعن الله من غير تخوم الأرض) وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ملعون من غير حدود الأرض ملعون من تولى غير مواليه) وأخرج البزار في مسنده عن أبي رافع قال وجدنا صحيفة في قراب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مكتوب فيها (بسم الله الرحمن الرحيم فرقوا بين مضاجع الغلمان والجواري بل والأخوة والأخوات لسبع سنين وأضربوا أبناؤكم على الصلاة إذا بلغوا تسعا ملعون من أدعى إلى غير قومه أو إلى غير مواليه ملعون من اقتطع شيئا من تخوم الأرض) يعني بذلك طرق المسلمين، وأخرج أحمد وابن حبان والطبراني عن يعلي بن مرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى الله بين الناس) وفي لفظ لأحمد (من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر) وفي رواية للطبراني (من ظلم من الأرض شبرا كلف أن يحفره حتى يبلغ الماء ثم يحمله إلى المحشر) وأخرج أحمد والطبراني عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه طوقه من سبع أرضين لا يقبل منه صرف ولا عدل) وأخرج ابن سعد في الطبقات والطبراني عن الحكم بن الحارث السلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أخذ من طريق المسلمين شبرا جاء به يوم القيامة يحمله من سبع أرضين) وأخرج أحمد والطبراني عن أبي مسعود قال قلت يا رسول الله أي الظلم أظلم فقال (ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طوقها يوم القيامة إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الله الذي خلقها) وأخرج ابن سعد وأحمد والطبراني عن أبي مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين).
    [خاتمة]: أرسلت بقضية هذا الرجل الذي أراد البروز إلى قاضي القضاة الشافعي وأرسلت له نقول المذهب وهذا المؤلف وعرفته أن الذي كانوا يحكمون به من الأذن في البروز بالروضة ونحوها باطل ليس بحكم الله ولا هو مذهب الشافعي فأذعن للحق ومنع نوابه من الحكم بذلك ثم أراد أن يرسل إلى الخصم ويحكم عليه بالمنع من البروز فأرسلت أقول له ان أحسن من ذلك أن يحكم حكما عاما بالمنع من غير تعيين خصم ولا توجه دعوه فاستغرب ذلك فأرسلت أقول له أن ذلك جائز في مثل هذا ونحوه وقد حكم الشيخ تقي الدين السبكي نظير هذا الحكم وابلغ منه وألف فيه مؤلفا فأرسلت إليه بمؤلف السبكي في ذلك فحكم بمنع البروز في الروضة منعا مطلقا إلى أن تقوم الساعة ونفذ هذا الحكم قاضي القضاة الحنبلي وقاضي القضاة المالكي، وأرسلت بذلك وبهذا المؤلف إلى المقام الشريف مولانا السلطان فأحاط بذلك علما وتوعد أهل البروزات منعا وهدما. وقد ختمت هذا المؤلف بقصيدة نظمت فيها المسألة لأن النظم أيسر للحفظ وأسير على الألسنة وسميتها النهر لمن برز على شاطئ النهر وهي هذه:
بدأت ببسم الله في النظم للشعر * وأثنى بحمد الله في السر والجهر
وصلى آله العرش ما ذكر اسمه * على المصطفى المبعوث للسود والحمر
وهاتيك أبياتا يضاهي قريضها * إذا ما رأى الراؤون بالكوكب الدري
فمسنده لابن الفرات عذوبة * وبهجته الزهراء تعزى إلى الزهري
وألفاظه تحكى عن الماء رقة * وفيه معان كلها عن أبي بحر
شذاه إلى الآفاق طار فعرفه * وتحليقه في الجو كالورد والنسر
وذلك في حكم من الشرع بين * يفوق السنى البدري في ليلة البدر
به قال أصحاب المذاهب كلهم * وكل أمام قدوة عالم حبر
لقد عمت البلوى بأمر محرم * وظن مباحا ذاك كل امرئ غمر
ففي روضة المقياس جار بروز من * أراد بأن يسطو على البر والبحر
أتى في حريم النهر بعض بروزه * وسائره قد حل في بقعة النهر
وما قال هذا قط في الدهر عالم * ولم يستبحه في القديم أولو الخبر
وأعظم من ذا في البلية من عزا * أباحته للشافعية بالقسر
وما قال هذا الشافعي وصحبه * ولا أحد من قبل أو بعده يدري
يمينا وفجر والليالي بعشرها * وشفع ووتر ثم ليل إذا يسرى
بل النص في كتب الإمام وصحبه * بأن حريم البحر والنهر إذ يجري
كلا ذين لا ملك عليه يحوزه * وإن بناء الناس فيه أخو حظر
ولا جاز إقطاع لديه ولا انزوى * إلى ملك بيت المال بيعا لمن يشرى
ومن فيه يبنى فليهد بناؤه * وننسفه في اليم نسفا على قدر
وفي حسرة يمشى على فقد جسره * وفي خسره أضحى إلى حشره يجري
وأما قديما قد رأينا مؤصلا * على نمط الجيران في السمت للجدر
فذلك نبقيه ونولي احترامه * لوضع بحق سابق غير ذي ختر
ومن رام نقلا يستفيد بعزوه * ليحكى نصوص العلم إن حل في صدر
ففي الأم نص الشافعي إمامنا * ومختصر عالي الذرى سامي القدر
وتعليقة القاضي الحسين وغيره * وكافي الخوارزمي ذي الفضل والذكر
وتهذيب محيي السنة البغوي مع * نقول كثير قد تجلى عن الحصر
وفي الشرح نص الشافعي وروضة النواوي * حيا قبره وابل القطر
كذا في فتاوى ابن الصلاح بيانه * وناهيك بالحبر النقي عن الأصر
وسار عليه في الكفاية نجمنا * أجل ففيه جاء إذ ذاك من مصر
وأوضحه في الابتهاج وغيره الإمام * التقي السبكي بالبسط والنشر
وفيه عن القفال لو رام نخلة * ليغرس بالشاطئ منعناه بالقهر
وبين ذاك الزركشي بشرحه * ومن بعد في الشرح الدميري ذو الفخر
وبينه الغزي في أدب القضا * فخذها نقولا من بحار أولى در
وخذ عن نقول المالكية مسندا * كل إمام منهم عالم حبر
وفي مدخل ابن الحاج أعظم بسطه * وبين ما فيه من الإثم والضر
وحد حريم النهر ألف ذراعه * وذلك أعلى الحد في حرم النهر
وأما النقول المستفيضة عن أبي * حنيفة في هذا فأوفى من البحر
وحدوا حريم العين من كل جانب * بخمس مئ من أذرع هي ذو كسر
وأما نقول لابن حنبل جمة * وناهيك بالمغنى فكن فيه ذا ذكر
ومذهبه في الجزر أضيق مذهب * لنص له أن ليس يبنى على جزر
ومذهبنا في ذاك أفسح مذهب * لأنهم قاسوا الحريم على البئر
وأدنى حريم البئر قد قيل خمسة * وعشرون ذرعا من ذراع أولى الشبر
وكل مكان عمه في زيادة * من الماء معدود من الأرض للنهر
وضابطه ما بين سطحين حفرة * إذ النهر مردود إلى مادة الحفر
فحفرة مجرى الماء نهر ومبدأ الحريم من التسطيح قدرا على قدر
ومن رام في هذا البناء فإنه * أضر على المارين في البحر والبر
يقيم به في أكثر العام ماؤه * فلا يجد المارون طرقا إلى المر
ومن ههنا مع ههنا كل سالك * يمر وهذا البرز كالطود في البحر
وليس بها من يقطع الطرق غيره * فلله ممن يقطع الطرق في الظهر
وقد صح في الآثار تطويق سبعة * أراض لمن يجني من الأرض كالشبر
وقد صح أيضا لعنه وانخسافه * إلى الأرضين السبع في موقف الحشر
فمن رام مع هذا الوعيد بروزه * ففي العصر أن المعتدين لفي خسر
وألفت في منع البروز بشاطئ * على النهر تأليفا أسميه بالجهر
تضمن من هذي النقول عيونها * وأوضحت فيه ما تفرق في السفر
وقد صب حكم الشرع بالمنع حاكم * على كل ما رام البروز على النهر
لزوما لمنع في العموم لكل من * أراد بروزا في الحريم مدى الدهر
وهذا صحيح نافذ يستمر لا * يشان بإفساد ونقض ولا كسر
وقد حكم السبكي فيه نظيره * وألف تأليفا له عالي القدر
ومن لم يطع حكم الشريعة رده * إليها برغم راغم سطوة القهر
من الملك الحامي زمام شريعة * فأيده الرحمن بالعز والنصر
ونختم هذا النظم بالحمد دائما * لرب العلا المختص بالحمد والشكر
ونثني على الهادي بخير صلاته * وتسليمه فهو المشفع في الحشر
وآل له خصوا بكل مزية * وأصحابه الزاكين والأنجم الزهر
ونتبع هذا بالرضا عن أئمة * هم قدوة للخلق في كل ما عصر
إمامي أعنى الشافعي ومالك * وأحمد والنعمان كل ذوو قدر
وسميت هذا النظم بالنهر زاجرا * لمن رام أن يبني على شاطئ النهر
فموضوعه بحر وبحر علومه * وعدته سبعون بيتا على بحر
     ونختم بما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله ما حق جاري قال إن مرض عدته إلى أن قال ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح، وأخرج ابن عدي في الكامل والبيهقي بسند ضعيف من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه، قال أتدري ما حق الجار إذا استعانك أعنته - إلى أن قال ولا تستطيل عليه بالبناء تحجب عنه الريح إلا بإذنه) قال البيهقي هذا شاهد للذي قبله يعتضد به.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar