الحقوق المتبادلة بين الزوج والزوجة
حدثنا
بشر بن محمد السختيانى، أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أخبرنى سالم عن
ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
”كلكم راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع فى أهله، والمرأة فى بيت زوجها وهي راعية
ومسئؤل عن رعيتها، والخادم فى مال سيده راع ومسئؤل عن رعيته“1.
وحدثنا
موسى بن إسماعيل ثنا حماد، أخبرنا أبو قزاعة
الباهلى عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق
زوجة أحدنا عليه قال : ”أن تطعمها إذا اطعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه،
ولا تقبح، ولا تهجر إلا فى البيت“2.
تخريج
البيت :
الحديث
الأول (كلكم راع) رواه مسلم فى الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر
والحث على الرفق بالرعية والنهي على إدخال المشقة عليهم. وعن طريق نافع عن ابن عمر
وقال "والمرأة راعية على بيت بعلها، وولده مسئول عنهم، وروى أيضا أبو داود فى
كتاب الخراج والإمارة والفيء.
والحديث
الثانى لأبى داود، وله حديث آخر عن طريق حكيم عن أبيه وعن جده قال "قلت يا
رسول الله نساءنا ما نأتى منهن وما نذر؟ قال : ”إئت حرثك أنى شئت،“ ثم ذكر الحديث3.
وعنه أيضا "أطعموهن مما تأكلونوالكسوهن مما تكسون ولا تضربوهن ولا
تقبحوهن". وروى أيضا أحمد عن حكيم، وزاد "ثم قال ههنا تحشرون ثلاثا
ركبانا ومشاة وعلى وجوهكم"4.
وأما ابن ماجه ففىكتاب النكاح، باب حق المرأة على الزوج، "أن رجلا سأل النبي
صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج فقال : ”أن يطعمها إذا طعم وأن يكسوها
إذا اكتسى“5.
راوى
الحديث :
عبد الله بن رواحة، أسلم قديما وهو
صغير، وهاجر مع أبيه وقيل قبله، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله.
وقد جنبه أبوه الخلافة وجعل رأيه فى أصحاب الشورى إستشاريا فقط، لذلك كان ابن عمر
على الحياد فلم يدخل فى شيء من الفتن والحروب التى وقعت بين الصصحابة بل توفر على
العلم والعبادة6.
وأفادنا العسقلانى أنه من المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أيضا عن أبى
بكر وعمر وعثمان وأبى ذر ومعاذ وعائشة وغيرهم. وروى عنه من الصحابة جابر وابن عباس
وغيرهما وبنوه سالم وعبد الله وحمزة وبلال وزيد وعبد الله وابن أخيه حفص بن عامر.
ومن كبار التابعين سعيد بن المسيب، وأسلم مولى عمر وعلقمة بن وقاص وابو عبد الرحمن
النهدى وغيرهم7.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فى حقه : ”نعم الرجل عبد الله لو كان يصلى من
الليل“، فكان بعد لا ينام إلا قليل8.
معاوية القشيري هو ابن حيدة بن قشير بن
كعب بن ربيعة بن بن عامر بن صعصعة القشيري. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه
ابنه حكيم وعروة بن رويم اللخمي وحميد اليزنى، وقال ابن سعد وفد على النبي صلى
الله عليه وسلم وصحبه. وقال ابن الكلبى أخبرنى أبى أنه أدركه بخراسان ومات بها9.
التحليل
اللفظي :
كلكم راع : آى كل واحد منكم
حافظ لأعضائه وجوارحه وحواسه آى كل واحد منكم مأمور بحسن تعهدها وصرفها فى مرضاة
الرب جل جلاله، ومأمور بصلاح ما قام عليه وماهو نظره، فكل من تحت نظره فهو طالب
بالعدل فيه والقيام بمصالحه فى دينه ومتعلقاته، وإن وفى ما عليه من الرعاة حصل له
حظ الأوفر وإلا طالبه كل واحد من رعيته فى الآخرة بحقه.
فى أهله : والمراد زوجته
ومن يلزمه نفقته من أصول وفروع.
فى بيت زوجها-
أو بعلها : آى بحسن تدبيرها فى المعيشة والنصح له والأمانة فى ماله
وحفظ عياله وأضيافه ونفسها.
مسئول / ومسئولة : آى فى دار الآخرة عند الله
تعالى.
حق : الواجب المفروض للزوجة.
تقبح : تقول قبحك الله، ونحو هذا من الكلام الجافى.
فقه الحديث :
لقد
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأوجده فى هذا الكون من أجل عمارة الأرض وعبادته
وتقواه كما أشاره القرآن الكريم : ”وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون“. والعبادة
جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة كالصلاة
والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام
والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والإحسان للجار واليتيم
والمسكين وابن السبيل والدعاء والذكر وقراءة القرآن وأمثال ذلك من العبادة. وكذلك
حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والإخلاص الدين له والشكر على نعمه
والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء وغير ذلك.
إن
الإنسان كشأن كل كائن حي تكون من جسد وروح، وما دامت روحه فى جسده فهو يأكل ويشرب
ويتحرك وينام ويستيقظ ويمرض ويشفى ويتناسل مثل سائر الحيوانات، ولكنه يتميز عن
غيره بالعقل الذى يساعده على التعلم والتفكر والتدبر، ويستخير الكائنات من حوله
لخدمته، واختراع الآلات التى تعينه على حياته. ويتميز أيضا بالزواج ويعيش بالسلامة
والراحة. وهل يمكن الإنسان أن يتمتع فى هذا الكون بدون حقوق وواجبات؟ فالجواب لا.
ولذلك لا يمكن أن يأخذ حقه فقط وترك ما يجب عليه.
وما
أحلى وأجمل كلام المصطفى صلىالله عليه وسلم : ”كلكم راع ومسئول عن رعيته“. والرجل
أو الزوج الذى هو أقوى الناس فى البيت ملتزم بما يطالب به من العدل وحسن المعاشرة
لأهله وعياله، وعليه أن يؤدي حقوقهم نحو نفقة وكسوة. والمرأة أو الزوجة راعية فى
بيت زوجها بحسن تدبيرها فى المعيشة والنصح له والشفقة عليه فى ماله وعياله حتى فى
نفسها. ولنتأمل ونتدبر الآن إلى قوله تعالى : ”وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى
بعض وأخذنا منكم ميثاقا غليظا“01.
وقد
تحدث الهدى النبوي عن دائرتين من دوائر المشاركة والإشتراك والإرتقاق بين الزوج
والزوجة،
الأولى
: دائرة الأسرة التى هي اللبنة الأولى فى بناء الأمة والخلية التى يبدأ بها
الإجتماع الإنساني. فهذه الاية الكريمة تدل على ذلك : ”ولهن مثل الذى عليهن
بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم“11.
الثانية
: دائر الأمة والمجتمع آى دائرة المشاركة فى العمل الإجتماعي العام، ”والمؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم“21.
ولقد
ظلت حياة السيدة خديجة سلسلة من المشاركات الخاصة والعامة فى الدعوة الإسلامية إلى
أن جاءها اليقين حتى سمى الرسول صلى الله عليه وسلم عام موتها عام الحزن. وإن سمية
بنت خباط وأم عمار بن ياسر وغيرهما لدليلتان على اشتراكة المرأة فى ميدان الجهاد
فى سبيل جل وعلا.
وفى
الحديث الثانى أشارنا المصطفى صلى الله عليه وسلم على حقوق الزوجات على الأزواج.
وآخر ما وصى به رسول الله عليه وسلم ثلاث، كان يتكلم بهن تلجلج لسانه وخفي كلامه،
جعل يقول ”الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون الله فى
النساء فإنهن عوان فى أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله“31.
وقال أيضا : ”أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله“41.
وقال : ”خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائى“51.
ومن
حقوقهن : النفقة من الطعام، والكسوة، والسكنى، بقدر سعته لا يكلف فوق ذلك.
المعاشرة بالمعروف بحسن الخلق واحتمال الأذى منهن ترحما عليهن لقصورهن.
الإستنباط
:
للزوج والزوجة حقوق وواجبات فى ميادينها
الخاصة. وكل منهما مسئول عند الله فى الآخرة. وثبت أنها من حقوق الزوجة عليه أن
يطعمها مما يأكل ويشرب، فلا يجوز على الزوج أن يطعمها طعاما دون الذى يأكله. وأن
يستر عورته، وأن لا يضربها، وأن لا يسمعها ما تكره. وإن أراد هجرها لتأديب ونحو
ذلك فلا يفعل ذلك إلا فى البيت. والله اعلم.
1 . الإمام ابن حجر العسقلانى، الجزء الثالث ص: 350
و 485، الجزء السادس، ص: 300.
3 . الإمام أبو داود السجستانى، الجزء الثالث، ص: 245.
31 . ذكره الإمام الغزالى فى الإحياء ص 42
الجزء الثانى، وقال العراقى فى تخريجه: أخرجه النسائى فى الكبرى وابن ماجه من حديث
أم سلمة. وأما الوصية بالنساء فالمعروف أن ذلك كان فى حجة الوداع فليراجع كل من
أراد التعمق.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar