Jumat, 20 Januari 2012

علم غريب الحديث
1.   مقدمّة
كان - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب لسانًا، وأوضحهم بيانًا، وأعرفهم بمواقع الخطاب، وكان يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وتباين لهجاتهم، كلاًّ منهم بما يفهم، واستمر عصره - صلى الله عليه وسلم - إلى حين وفاته على هذا السنن المستقيم، وعليه سلك الصحابة في عصرهم، وكان اللسان العربي عندهم صحيحًا محروسًا من الدخيل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم من أنواع الأمم الذين فتحت بلادهم للمسلمين، ورفرف عليها علم الموحدين فاختلطت الفرق وامتزجت الألسن وتداخلت اللغات، ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من اللسان العربي ما لا بد لهم في الخطاب والمحاورة منه، وتركوا ما عداه ؛ لغنيتهم عنه.
واللسان العربي قد استحال أعجميًّا، أو كاد، فلا ترى المستقل به والمحافظ عليه إلا الآحاد، فجهل الناس من هذا المهم ما كان يلزمهم معرفته، وأخروا منه ما كان يجب عليهم تقدمته، فلما أعضل الداء، وعز الدواء، ألهم الله جماعة من أولي المعارف والنهى أن يصرفوا إلى هذا الشأن طرفًا من عنايتهم، فشرعوا للناس موارده، وقعدوا لهم قواعده.[1]
و هذا السابق يسبب وجود علم غريب الحديث, ففي هذه المقالة سنبحث عن علم غريب الحديث و نستعف كثيراً فجزاكم الله خير الجزاء.

2.   تعريفه
لغة : صفة من "غَرُبَ" أي غَمَضَ و خَفِيَ. و هو الأنساب من معانيه اللغوية الأخرى في هذا المكان.[2]
اصطلاحاً : ما وقع في متن الحديث من لفظٍ غامضةٍ بعيدةٍ عن الفهم لقلّة استعمالها.[3]
هذا العلم يبين ما يخفي معناه من ألفاظ الحديث النبوي, و قد اهتمّ علماء المسلمين به, لما يترتب عليه من ضبط ألفاظ الحديث وفهم معناه, إذ من العسير على المرء أن يروي ما لا يفهم, أو ينقل ما لا يحسن أداءه.[4]
3.   أهميته وصعوبته
وهو فن مهم جداً ، هو علم يُعْنَى ببيان معاني الكلمات الغامضة في الحديث, و هو يساعد على فهم الأحاديث, و استنباط ما فيها من أحكام و مسائل. وليتق الله أن يُقْدِمَ على تفسير كلام نبيه صلي الله عليه وسلم بمجرد الظنون ، وكان السلف يتثبتون فيه أشد التثبت.[5] ويتحرون فيه أعظم التحري، ولهذا لما سئل أحمد - رضي الله عنه - عن حرف منه قال : سلوا أهل الغريب، فإني أكره أن أتكلم في الحديث بالظن. وسئل الأصمعي عن معنى حديث الجار أحق بسقبه ؟ فقال : أنا لا أفسر حديث رسول الله ، ولكن العرب تزعم أن السقب اللزيق.[6]
4.   نشأته
نشأ هذا العلم إثر اتساع الفتوحات الإسلامية, ودخول كثير من غير العرب في الإسلام, و تشوب العجمةُ لسانَهم, فخيف علي الحديث النبوي أن يستغلق فهمه على بعض الناس, فانبرى جماعة من أتباع التابعين, فتكلمون في غريب الحديث, أمثال الإمام الثوري (161 هـ), و الإمام مالك بن أنس (179 هـ).[7]
5.   أجود تفسيره
وأجود تفسيره ما جاء مفسَّراً في رواية أخرى، مثل حديث عِمْرَانَ بن حُصَيْن رضي الله عنه في صلاة المريض " صَلِّ قائماً، فان لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ "[8]
وقد فَسَّر قولَهُ " عَلَى جَنْبٍ" حديثُ عَليّ رضي الله عنه ، ولفظه " على جَنْبِه الأيمن مستقبل القِبْلة بوجهة "[9]

6.   مثاله
ما روي في حديث ابن صياد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "قد خبأت لك خبيئا فما هو؟" . قال: الدخ فهذا خفي معناه أعضل وفسره قوم بما لا يصح. وفي معرفة علوم الحديث للحاكم أنه الدخ بمعنى الزخ الذي هو الجماع وهذا تخليط فاحش يغيظ العالم والمؤمن. وإنما معنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "قد أضمرت لك ضميرا فما هو؟" فقال: الدخ بضم الدال يعني الدخان والدخ هو الدخان في لغة إذ في بعض روايات الحديث ما نصه: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد خبأت لك خبيئا" وخبأ له: يوم تأتي السماء بدخان مبين. فقال ابن صياد هو الدخ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخسأ فلن تعدو قدرك" . وهذا ثابت صحيح خرجه الترمذي وغيره. فأدرك ابن صياد من ذلك هذه الكلمة فحسب على عادة الكهان في اختطاف بعض الشيء من الشياطين من غير وقوف على تمام البيان. ولهذا قال له: "اخسأ فلن تعدو قدرك" أي فلا مزيد لك على قدر إدراك الكهان   والله أعلم.[10]

7.   المتّهمون فيه و مألفاتهم
1)  أبو عبيد القاسم بن سلام (224 هـ) و كتابه "غريب الحديث و الآثار", مطبوع.
2)  إبرهيم بن إسحاق الحربي (285 هـ) و كتابه "غريب الحديث" طُبِعَ منه ما وُجِدَ.
3)  أبو سليمان حمد الخطابي (388 هـ) و كتابه "غريب الحديث" مطبوع, و كتابه "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" مطبوع.
4)  أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (104 هـ) و كتابه في غريب القرآن و الحديث بعنوان "كتاب الغربين" مطبوع.
5)  أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (538 هـ) "الفائق في غريب الحديث" مطبوع.
6)  ابن الجوزي (597 هـ) " غريب الحديث" مطبوع.
7)  ابن الأثير الجزري, المبارك بن محمد (606 هـ) و كتابه "النهاية في غريب الحديث و الأثر" مطبوع, و هو أجمع كتب الغريب و أشهرها و أكثرها تداولاً.
8)  ابن حجر (852 هـ) و كتابه "غريب حديث البخاري" مطبوع.
9)  محمد طاهر الفتني  (986 هـ) و كتابه "مجمع البحار في الأحاديث و الآثار" مطبوع.[11]
و أما في فقه الحديث فالمؤلفات فيه كثيرة, خاصة كتب الشروح الحديثية حيث إن جميعها عنيت بشرح الكلمات الغريبة, و بيان ما يستنبط من الأحاديث من الفوائد و الأحكام, مثل:
1)  الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار و علماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من المعاني الرأي و الأثار لابن عبد البر (368 هـ).
2)  المفهوم في شرح ما أشكل من تلخيص صحيح مسلم للقرطبي (671 هـ).
3)  المنهاج على صحيح مسلم ين الحجاج المعروف بشرح النووي (676 هـ).
4)  إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (702 هـ).
5)  الكاشف عن حقائق السنن (شرح مشكاة المصابيح) لشرف الدين الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي (743 هـ), و هو مطبوع.
6)  طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي (806 هـ).
7)  فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (852 هـ).
8)  عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني (855 هـ) و هو مطبوع. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني (1250 هـ).[12]
8.   الخاتمة
بعد أن بحثنا هذه المقالة فنستنبط بما يلي:
ü     غريب الحديث هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها. ومعرفة معاني هذه الألفاظ علم مهم بالنسبة للمحدث، كي لا يكون زاملة للأخبار لايدري ما يرويه. وقد نبه العلماء على وجوب التحري والتوقي في بحثه، لئلا يقع المتعرض له في تحريف الكلم عن مواضعه والقول على الله بغير علم.[13]
ü     و من الأسباب لوجود هذا العلم: خالط العرب غير جنسهم من أنواع الأمم الذين فتحت بلادهم للمسلمين، واللسان العربي قد استحال أعجميًّا، أو كاد، فجهل الناس من هذا المهم ما كان يلزمهم معرفته.
ü     بعض المألفات عن غريب الحديث: غريب الحديث و الآثار لأبي عبيد القاسم بن سلام, و الفائق في غريب الحديث لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري, و النهاية في غريب الحديث و الأثر لابن الأثير الجزري.

المراجع و المصادر
ابن الحسين العراقي, زين الدين عبد الرحيم. 1969. التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح. المكتبة السلفية. المدينة المنورة.
الخطيب, محمد عجاج.2009.  أصول الحديث, علومه و مصطلحه. دار الفكر. بيروت.
الخير آبادي, محمد أبو الليث. 2005. علوم الحديث, أصيلها و معاصرها. دار الشاكر. مليسيا.
المناوي, عبد الرؤوف. 1999. اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر.مكتبة الرشد. الرياض.
عتر, نور الدين. 1997. منهج النقد في علوم الحديث. دار الفكر. دمشق.


[1] مقالات وفوائد  حديثية من مجلة المنار
[2] محمد أبو الليث الخير آبادي, علوم الحديث, أصيلها و معاصرها, (مليسيا: دار الشاكر, 2005 م), ص. 323.
[3] نفس المرجع.
[4] محمد عجاج الخطيب, أصول الحديث, علومه و مصطلحه, (بيروت: دار الفكر, 2009 م), ص. 181.
[6] عبد الرؤوف المناوي, اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر, (الرياض: مكتبة الرشد, 1999م), ج.2, ص. 125 – 126.
[7] محمد أبو الليث الخير آبادي, علوم الحديث, أصيلها و معاصرها,..... ص.323.
[8] صحيح . رواه البخاري (631 ) . " تنبيه " : هذه القطعة من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- ، تفرد البخاري بروايتها .
[9] أخرجه البيهقى (2/307 ، رقم 3493) . وأخرجه أيضًا : الدارقطنى (2/42).
[10] زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي, التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح, (المدينة المنورة: المكتبة السلفية, 1969م), ص. 276.
[11] محمد أبو الليث الخير آبادي, علوم الحديث, أصيلها و معاصرها,..... ص.324. محمد عجاج الخطيب, أصول الحديث, علومه و مصطلحه,...... ص. 182.
[12] محمد أبو الليث الخير آبادي, علوم الحديث, أصيلها و معاصرها,..... ص.324.
[13] نور الدين عتر, منهج النقد في علوم الحديث, (دمشق: دار الفكر, 1997م), ص. 332.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar