Jumat, 20 Januari 2012

الرشوة تستوجب اللعنة

حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع ثنا أبو ذئب عن خالة الحارث ابن عبد الرحمن، عن أبى سلمة، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعنة الله على الراشى والمرتشى "(1).

التخريج :

          أخرج ابن ماجه هذا الحديث فى كتاب الأحكام ؛باب التغليظ فى الحيف والرشوة، وفى الباب حديث آخر عن عبد الله بن أبى أوفى : " إن الله مع القاضي مالم يجر فإذا جار وكله إلى نفسه(2). وأخرجه الترمذي فى كتاب الأحكام فى باب ما جاء فى الراشى والمرتشى فى الحكم عن أبى هريرة بلفظ فى الحكم. قال، وفى الباب عن عبد الله بن عمرو، وعائشة، وابن حديدة، وأم سلمة(3). وأبو داود فى كتاب الأقضية ؛باب فى كراهية الرشوة(4). والحاكم فى المستدرك عن ابن عمر وأبى هريرة وثوبان(5)رضي الله عنهم : " لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشى بيهما "(6). وكذا ابن حبان فى صحيحه(7). وروى أحمد بن حنبل عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي(8). وقال ابن رسلان فى شرح السنن، وزاد الترمذي والطبراني بإسناد جيد "فى الحكم" آي فى جديث أبى هريرة. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أيضا إبن حبان والطبراني والدارقطني، وقوّاه الدارمي(9).

راوى الحديث :

          هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل، أسلم قبل أبيه، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فى كتابة ما يسمع منه وقال قد حفظت عن رسول الله ألف مثل، وكان عالما متعبدا(01)، كان إسمه العاص، فلما أسلم سمي عبد الله ولم يكن بينه وبين أبيه سوى إحدى عشرة سنة، وروى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبى الدرداء، وسراقة بن مالك بن جعثم، وغيرهم. وعنه أنس بن مالك وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وعبد الله بن الحارث بن نوفل وغيرهم.
          وقال أحمد بن حنبل، مات ليالي الحرة، وكانت فى ذى الحجة سنة 63. وقال فى موضع آخر، مات سنة 65. وكان موته بمكة وقيل بالطائف وقيل بمصر وقيل بفلسطين(11).

التحليل اللفظي :

لعن الله   : آي أبعد الله رحمته. وقد لعن رسول الله عليه وسلم أصنافا تزيد على عشرين مثل، الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور، الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتدعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها، الربا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده، والواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل، السارق والسارقة، القاشرة والمقشورة، المحلل والمحلل له، المختفى والمختفية، النائحة والمستمعة. ولعن الله أيضا من سب أصحاب النبي، ومن فرق بين الوالدة وولدها وبين الأخ وأخيه، ومن لعن والديه، ومن ذبح بغير الله، وعبد الدينار، ومن مثل بالحيوان. أعاذنا الله.
الراشى   : آي المعطى والآخذ(21). والرشوة هي كل مال دفع ليبتاع به من ذى جاه عونا على مالا يجوز.
المرتشى   : آي قابضه، والراشى دافعه(31).

فقه الحديث :

ومن أهم الوسائل التى يتحقق بها القسط وتحفظ الحقوق وتصان الدماء والأعراض والأموال هي إقامة النظام القضائي الذى فرضه وقرره الإسلام وجعله جزءا من تعاليمه وركيزه من ركائزه التى لا بد منه ولا غنى عنها. وكان من تولى هذه الوظيفة فى الإسلام الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولا يقضى بين الناس إلا من كان عالما بالكتاب والسنة، فقيها فى دين الله عز وجل وقادرا على التفرقة بين الصواب والخطإ وكذا بريئا من الجور وبعيدا عن الهوى والرشوة.
وما أحسن وأجمل قوله المصطفى صلى الله عليه وسلم " لا حسد إلا فى اثنتين، رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته فى الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس "(41). فقد وعد الله القاضي العادل بالجنة ووعد القاضي الفاجر بالنار. والحق تعالى مع القاضى مالم يجر، فإذا جار تخلى الله عنه ولزمه الشيطان.
فقد روى أصحاب السنن حديثا(51)، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة، واحد فى الجنة، واثنان فى النار، فأما الذي فى الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار.
لماذا لعن الله الرشوة؟ فالجواب لأنها تبطل الحكم والعدالة وتفتح باب الفجور والإعتداء على حقوق الإنسان. وقد فصّل صاحب الفتح بين الرشوة، والهدية، والأجرة، والرزق ( كما نقل السيد سابق فى كتابه ) فقال : الرشوة إن كانت ليحكم له الحاكم بغير حق فهي حرام على الآخذ والمعطي، وإن كانت ليحكم له بالحق على غريمة فهي حرام على الحاكم دون المعطي، لأنها لاستفاء حقه، والهدية فإن كان ممن يهاديه قبل الولاية فلا يحرم استدامتها، وإن كان لا يهدي إليه إلا بعد الولاية، فإن كان ممن لا خصومة بينه وبين أحد عنده جازت وكرهت. وإن كان ممن بينه وبين غريمه خصومة فهي حرام على الحاكم والمهدي. والأجرة فإن كان للحاكم جراية من بيت المال ورزق منه حرمت بالإتفاق، لأنه إنما أجرى له الرزق لأجل الإشتغال بالحكم فلا وجه للأجرة. وإن كان لا جراية له من بيت المال جاز له أخذ الأجرة على قدر عمله غير الحاكم، فإن أخذ أكثر مما يستحقه حرم عليه لأنه إنما يعطي الأجرة لكونه عمل عملا لا لأجل كونه حاكما(61).
وصرح الصنعاني رحمه الله تعالى : والرشوة حرام بالإجماع سواء كانت للقاضى أو للعامل على الصدقة أو لغيرها(71). وقد قال تعالى : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون (81). وقال القاضى الشوكاني فى النيل(91) : والتخصيص لطالب الحق بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم لا أدرى بأي مخصص. والحق : التحريم مطلقا، أخذا بعموم الحديث. ومن زعم الجواز فى صورة من الصور فإن جاء بدليل مقبول وإلا كان تخصيصه ردا عليه(02).
وفى الحديث الشريف يذكر لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى يلعن ويغضب الرشوة ومرتكبها ( الراشى والمرتشى والرائش ) فى الدنيا والآخرة. وإنها إثم كبير ويمحق البركة ويورث اللعنة والتفرقة بين الأمة.
لقد كان الأولى بالمسلمين أن يتمسكوا بدينهم ويسيروا على هدي الشريفة الإسلامية وأحكامها وتعاليمها ويتحلوا بالأخلاق الإسلامية الفاضلة ليكونوا مثلا أعلى للإنسانية. ولكن البعض منهم للأسف الشديد تجاهلوا أمور دينهم وتناسوا ما يجب عليهم وخالفوا ما يأمرهم به ربهم ورسولهم من تعليمات سامية وتوجيهات حكيمة وتفشى بينهم الكذب والنفاق وسوء الأخلاق من الرشوة والربا فاضطرت صفوفهم واختلفت كلمتهم وقست قلوبهم وعدا بعضهم على بعض.
وكان لنا فى المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح قدوة حسنة فى صدق العقيدة والتمسك بالدين والتجلى بالصفات والأخلاق الإسلامية الحميدة والتضحية والجهاد فى سبيل الله والدعوة إلى الله والإخلاص والصدق وحسن المعاملة والمعاشرة.
وقد اختتم الشيخ الخولي تعليقه عن الراشى والمرتشى حيث يقول : فالرشوة فخ المروءة ومصيدة الأمانة والشرف، لا يقدمها إلا مبطل خائن وضيع، ولا يقبلها إلا دنيء النفس سافل المروءة مسلوم فى دينه وكرامته(12).

الإستنباط :

          وفى الحديث حذر لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الرشوة تستوجب اللعنة والعياذ بالله.

"""""










                          


(1) الإمام إبن ماجه، الجزء الثانى، ص : 775
(2) نفس المرجع
(3) الإمام إبن العربى المالكى، الجزء الثالث، ص : 307
(4) الإمام أبو الطيب أبادى، المجلد التاسع، ص : 359
(5) ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أصابه سباء فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه فلم يزل معه حتى قبض ثم نزل حمص فمات سنة أربع وخمسين. (الإمام إبن الجوزى، المجلد الأول، ص : 297)
(6) الإمام الحاكم النيسابورى، الجزء السابع، ص : 2525
(7) الإمام أبو محمد زكي الدين المنذرى، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف (بيروت : دار القلم، 1412) المجلد الثانى، ص : 465
(8) الإمام أحمد بن حنبل، الجزء الثانى، ص : 190
(9) الإمام أبو الطيب أبادى، المجلد التاسع، ص : 360
(01) الإمام إبن الجوزى، المجلد الأول، ص : 290
(11) الإمام إبن حجر العسقلانى (التهذيب) الجزء الرابع، ص : 414
(21) الإمام المناوى، المجلد الخامس، ص : 268
(31) الإمام ابن العربى المالكى، المجلد الثالث، ص : 307
(41) الإمام إبن ماجه، الجزء الثانى، ص : 1407
(51) الإمام الصنعانى، الجزء الثانى، ص : 1454. وقال : والحديث دليل على أنه لا ينجو من النار من القضاة إلا من عرف الحق وعمل به. وفى الباب حديث آخر مثل قوله المصطفى صلى الله عليه وسلم : "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". متفق عليه.
(61)  الإمام السيد سابق، فقه السنة (بيروت : دار القلم، بدون السنة) الجزء الثالث، ص : 320
(71) الإمام الصنعانى، الجزء الثانى، ص : 1471
(81) أنظر سورة البقرة : 188. وقال الصابونى : وتدلو بها إلى الحكام آى تدفعوها إلى الحكام رشوة. أنظر الإمام محمد على الصابونى، صفوة التفاسير (بيروت : دار الفكر، بدون السنة) الجزء الأول ص : 125
(91) هو الشيخ محمد بن على بن محمد بن عبد الله السوكانى ثم الصنعانى، قامع المنتدعين، آخر المجتهدين، رأس الموحدين، تابع المتبعين، صاحب التصانيف التى لم يسبق إلى مثلها، قاضى قضاة أهل السنة والجماعة، شيخ الرواية والسماعة. ولد فى وسط نهار الإثنين الثامن والعشرين من ضهر ذى القعدة سنة 1172 هجرية فى بلده هجرة شوكان. وتوفي رضي الله تعالى عنه ليلة الأربعاء السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 1255. تفقه على مذهب غلإمام زيد وبرع فيه وألف وأفتى حتى صار قدوة فيه، طلب الحديث وفاق فيه أهل زمانه. وله مؤلفات مفيدة فى فنون عديدة. أنظر محمد على الشوكانى، نيل الأوطار، المقدمة وتعريف المؤلف (بيروت : دار الفكر، 1989) الجزء الأول، ص : ك إلى آخره.  
(02) الإمام أبو الطيب أبادى، المجلد التاسع، ص : 259.
(12) أنظر محمد عبد العزيز الخولى، الأدب النبوي (بيروت : دار الفكر، بدون السنة) ص : 302.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar