Minggu, 22 Januari 2012

الحث على العدالة


        الحث على العدالة

        حدثنا قتيبة بن سعد، حدثنا ليث، وحدثنا محمد بن رمح، أخبرنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة : أن قريشا أهمهم بشأن المرأة المخزومية التى سرقت، قالوا : من يكلم فيها رسول الله، فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة1 حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتشفع فى حد من حدود الله "، ثم قام فاختطب فقال : " أيها الناس، إنما هلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "2.

راوى الحديث :

          عروة بنت الزبير بن العوام، أمه أسماء بنت أبى بكر الصديق، وكان يقرأ القرآن كل يوم نظرا فى المصحف، ويقوم الليل فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ثم عاود من الليلة المقبلة. وعن هشام قال : كان أبى لا يفطر ولقد مات يوم مات وهو صائم3. وروى الحديث عن أبيه، وأخيه عبد الله، وأمه أسماء بنت أبى بكر، وخالته عائشة، وعلي بن أبى طالب، وسعيد بن زيد وغيرهم. وعنه أولاده عبد الله، وعثمان، وهشام، ومحمد، ويحيى. وقال ابن المدين : ومات عروة سنة إحدى أو إثنين وتسعين4.

التخريج :

          روى هذا الحديث مسلم فى كتاب الحدود ؛ باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة فى الحدود. والأحاديث عن عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جابر بن عبد الله5. وأخرج أيضا البخاري فى كتاب فضائل الأنبياء، والحدبث عن عروة وعن عائشة رضي الله عنها. وفى كتاب الحدود ؛ باب توبة السارق عن عاشة قالت : "فأرفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتابت وحسنت توبتها. وفى كتاب فضائل الأصحاب فى ذكر أسامة بن زيد  رضي الله عنه6. وأبو داود عن عائشة فى كتاب الحدود ؛باب الحد يشفع فيه7. والترمذي فى كتاب الحدود ؛باب ما جاء فى كراهية أن يشفع فى الحدود عن مسعود بن العجماء وابن عمر وجابر. وقال أبو عيسى : حديث عائشة حسن صحيح. ويقال مسعود بن الأعجم وله هذا الحديث8. وأخرج أيضا النسائي عن عائشة، وذكر ألفاظا كثيرة مختلفة. وفى رواية قال : " يا أسامة، إنما هلكت بنو إسرائيل.." ثم ذكر الحديث. وفى رواية : " يا أسامة إن بنى إسرائيل هلكوا ". وأخرى يقول : " أما بعد، فإنما هلك الناس قبلكم ". وأخرى : " إنما هلك الذين قبلكم ". وأما مايتعلق بقسمه يقول (فى روايات) " وإنها لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها ". وأخرى : " والذى نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ". وأخرى : " وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ". وأخرى : " والذي نفسى بيده "9. والدارمي فى كتاب الحدود ؛باب الشفاعة فى الحدود دون السلطان، عن عائشة قالت : ثم قام وخطب فقال : " إنما هلك الذين قبلكم، إنهم كانوا.."وذكر الحديث01. ولأحمد بن حنبل عن جابر بن عبد الله يقول : " لو كانت فاطمة لقطعت يدها "، ولم يذكر " إنما هلك الذين قبلكم "11. وأخرج أيضا إبن ماجه عن عائشة بنت مسعود بن الأسود عن أبيها21..قام خطيبا فقال : " ما إكثاركم عليّ فى  حد من حدود الله عز وجل وقع على أمَة من إماء الله والذي نفسى بيده لو كانت فاطمة إبنة محمد نزلت بما نزلت به لقطع محمد يدها31.

التحليل اللفظي :

*      أهمهم : أحزنهم وأوقعهم فى الهم خوفا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل.
*  شأن المرأة المخزومية : وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الله الأسد بنت أخى أبى سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة أم المؤمنين، قتل أبوه كافرا يوم بدر قتله حمزة41.
*     سرقت : وفى رواية إنها تستعير المتاع وتجحده51.
*     ومن يجترئ : يتجاسر عليه بطريق الإذلال، وفى هذه منقبة ظاهرة لأسامة رضي الله عنه61.
*     أتشفع : وهذا إستفهام إنكار وكأنه قد سبق علم أسامة أنه لا شفاعة فى حد.
*  وايم الله : وفى رواية "فو الله"، "والذي نفس محمد بيده"، "والذي نفسى بيده". وهو من ألفاظ القسم كقولك لعمر الله وعهد الله، وفيها لغات كثيرة، وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها وصل، وقد تقطع أهل الكوفة من النجاة يزعمون أنها جمع يمين، وغيرهم يقول هي اسم موضوع للقسم71.
*     الشريف : آي ذو الحسب والجاه والمنصب، ضد الوضيع وهو النقص.
*  لو أن فاطمة : والتقدير لو فعلت فاطمة ذلك، لأن "لو" يليها الفعل دون الإسم. ووقع فى رواية أخرى "لو سرقت فاطمة" وهو ييساعد ذلك التقدير. وإنما خص المصطفى صلى الله عليه وسلم فاطمة إبنته بالذكر لأنها أعز أهله عنده، ولأنه لم يبق من بناته حينئذ غيرها81.
*  لقطع محمد يدها : وفى رواية ابن أبى الوليد والأكثر "لقطعت يدها"، ووقع فى رواية ابن عمر للنسائى "قم يابلال فخذ يدها فاقطعها"، وفى رواية ابن أخى الزهري عند أبى عوانة كلاهما عن الزهري قال : أخبرنى القاسم بن محمد أن عائشة قالت : "فنكحت تلك المرأة رجلا من بنى سليم وتابت، وكانت حسنة التلبس، وكانت تأتينى فأرفع حاجتها"91.     

فقه الحديث :

         وسبب ورود الحديث أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التى سرقت، فقالوا : من يكلم رسول الله، ومن يجترئ عليه إلا أسامة، فقال رسول الله له : "أتشفع فى الحد"، ثم خطب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام02.
         ومن الأمور التى اختص بها الله عز وجل رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء جوامع الكلم12، إضافة إلى نعم أخرى كثيرة. ونتأمل كيف كان يقرر الحدود أمام أصحابه الكرام، ويرشدهم إلى العدالة الإجتماعية حيث يقول : "إنما هلك الذين قبلكم"، فهذه الكلمة تشير إلى التحذير البالغ تطبيقا لقوله تعالى : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة 22. وأما سبب هلكهم صرحهم المصطفى صلى الله عليه وسلم هو عدم إقامة العدالة بينهم.
         وقد تضمنت الشريعة الإسلامية كل ماينفع فى حياته وموته وتكفل قيام المجتمع الصالح، ويراعى الإسلام قدرات المسلمين وطاقتهم. والإسلام هو دين العدالة، والعدل يقرب إلى التقوى. يقول عز وجل : إعدلوا هو أقرب للتقوى 32. والعدالة هي ضد الظلمة. ومن الميثاق الذى واثق به الأمة الإسلامية، القوامة على البشرية بالعدل. العدل المطلق الذى لا يميل ميزانه مع المودة والشنآن، ولا يتأثر بالقرابة أو المصلحة أو الهوى فى حال من الأحوال. وما من عقيدة أو نظام فى هذه الأرض يكفل العدل المطلق كما يكفله المصطفى صلى الله عليه وسلم. وايم الله، آي والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة سرقت ؛هذا تعبير رائع، وفصاحة بالغة، بل هو قرار حكيم من قلوب صافية، لو أن فاطمة إبنته وحبيبته وقرة عينه فعلت مثل ما فعلت المخزومية، لقطع والده المصطفى صلى الله عليه وسلم عدلا للجميع والأمة.
         إن الإسلام جعل الناس جميعا فى الواجبات والحقوق العامة المتماثلين تماثلا مطلقا. فهم أولا عيبد الله عز وجل، ولم يستثنى من هذه العبودية بشر، إن كل من فى السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدا 42. ثم هم أسرة واحدة، يجمعهم على اختلاف الأجناس أب واحد وأم واحدة، فلا مجال لتفريق عنصري إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة 52، واختلاف الواقع فى أحوال الناس، وملكاتهم، ولغاتهم، وألوان جلودهم مظهر لإبداع الخالق الأعلى، بل هو من دلائل قدرته وإرادته ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم 62.
         وفى المسجد يصطف فيه الخاصة والعامة، الكبير والصغير، الشريف والوضيع، الراعى والرعية، العالم والجاهل، العربي والعجمي، الغني والفقير، الأسود والأبيض، وتنحنى أصلابهم أمام الله قدما بقدم ورأسا برأس. كما أن الحقوق العامة مكفولة على سواء لا فرق فى القصاص بين دم ودم ولا فى الحدود بين شخض وشخض.
         لقد طلع المصطفى عليه الصلاة والسلام على الناس بهذه المساوة والعدالة كما تطلع الشمس فى أعقاب ليل برد طويل لم يكن الناس يعرفونها بهذا الشمول قبله ولم يصلوا إلى مقرراته فيها بعده.
         والسؤال الذي أمامنا الآن هو كيف نحقق العدالة والمساوة فى حياتنا الإجتماعية؟. أشارتنا المصطفى عليه الصلاة والسلام أنها تبدا من أسرتنا الصغيرة أولا، وانظر رواية النعمان بن بشير رضي الله عنه72 : أعطانى أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة82 : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله عليه وسلم فقال : إنى أعطيت ابنى من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرنى أن أشهدك يارسول الله. قال : " أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟" قال : لا، قال : " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ". قال فرجع فرد عطيته92. وقال أيضا : " إعدلوا بين اولادكم فى العطية "03. وثانيا : من بين الزوجات، وقد روت عائشة رضي الله عنها قالت : يابن أختى، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض فى القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها، فيبيت عندها (رواه أحمد وأبو داود واللفظ له وصححه الحاكم)13.
         هذه عدالة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومساوته، ومن هنا يقيم العدالة الإجتماعية والمساوة بين الأمة الإنسانية. والله أعلم.

الإستنباط :

         وفى الحديث أمر شامل على إقامة العدالة بين الأمة فى جميع الأمور الإجتماعية لاسيما فى الحدود. قد بدأها المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأسرة الصغيرة ثم الأكبر ثم الأكبر. 
                 
     


1 . أسامة بن زيد بن حارثة، ويقال له أسامة الحِب، وهو حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكنى بأبى محمد. وأمه أم أيمن حاضنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وتقدمت روايته وسيرته فى البحث عن حق الجوار.
2 . الإمام مسلم، الجزء الثانى، ص : 106.
3 . الإمام إبن الجوزي، المجلد الأول، ص : 234
4 . الإمام إبن حجر العسقلانى، التهذيب، المجلد الخامس، ص : 547- 548
5 . الإمام مسلم، الجزء الثانى، ص : 106- 107
6 . الإمام إبن حجر العسقلانى، الجزء السابع، ص : 194- 195 و ص : 400
7 . الإمام أبو الطيب أبادى، المجلد السادس، ص : 21
8 . الإمام إبن العربى المالكى، المجلد الثالث، ص : 397
9 . الإمام السيوطى (المجتبى) المجلد الرابع، ص : 74- 77
01 . الإمام الدارمى، المجلد الثانى، ص : 173
11 . الإمام أحمد بن حنبل، الجزء الثالث، ص : 386
21 . مسعود بن الأسود بن حارثة ابن نضلة بن عوف بن عبيد المعروف بابن العجماء. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قصة المرأة التى سرقت، وعنه إبنته عائشة فى ابن ماجه والبغوي بسنج حسن. وأشار إليه الترمذي فى الترجمة ولكن قال ابن الأعجم قال كان هو وأخوه مطيع من السبعين هاجروا وشهدوا بيعة الرضوان. وقال البغوي سكن المدينة. وقال ابن حبان سكن مصر وهو وهم. (أنظر إبن حجر العسقلانى، الإصابة، المجلد الثالث، 88)
31 . الإمام إبن ماجه، الجزء الثانى، ص : 851
41 . الإمام أبو الطيب أبادى، المجلد السادس، ص : 21. وأيضا الإمام أبو بكر عبد الرزاق الصنعانى، المصنف (بيروت : دار إحياء التراث العربى، 2002) المجلد العاشر ص : 90
51 . هكذا فى رواية أبى داود بسنده عن معمر، عن الزهرى، وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها وذكر الحديث "فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها" الإمام أبو الطيب أبادى، ص :22. والإمام الصنعانى، المجلد الثانى، ص : 1298.
61 . الإمام النووى، الجزء السابع، ص : 36.
71 . الإمام إبن الأثير، المجلد الأول، ص : 59.
81 . الإمام إبن حجر العسقلانى (الفتح) المجلد الرابع عشر، ص : 48.
91 . الإمام إبن حجر العسقلانى، فتح البارى، ص : 49
02 . أنظر الشريف إبراهيم بن محمد الحسنى، البيان والتعريف فى أسباب ورود الحديث الشريف (بيروت : مكتبة العلمية، 1982) المجلد الثانى، ص : 108
12 . أنظر قوله المصطفى صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس إنى قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لى إختصارا" أخرجه أبو يعلى وابن المنذر وابن أبى حاتم والعقيلى ونصر المقدسى عن ابن عمر. (أنظر إبراهيم الدمشقى، المجلد الثالث، ص : 241.)
22 . أنظر سورة البقرة : 195
32 . أنظر سورة المائدة : 8
42 . أنظر سورة مريم : 93- 94.
52 . أنزر سورة النساء : 1
62 . أنظر سورة الروم : 22
72 . هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بن زيد الأنصارى الخزرجى. كان أول مولود ولد فى الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا، وعن ابن الزبير، كان النعمان بن بشير أكبر منى بستة أشهر. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن خالد، وعبد الله بن رواحة، وعمر، وعائشة. وروى عنه إبنه محمد ومولاه سالم، وعروة، والشعبى، وأبو قلابة، وحيثمة بن عبد الرحمن، وسماك بن حرب وآخرون. كان قاصي دمشق بعد فضالة بن عبيد. واستعمله معاوية على الكوفة وامرة حمص. ومات فى سنة خمس وستين. (أنظر إبن حجر العسقلانى، الإصابة، المجلد الثالث، 240. وأيضا فتح البارى، الجزء الخامس، ص : 528)
82 . عمرة بنت رواحة، وهي إمرأة بشير بن سعد والد النعمان. وهي التى سألت بشيرا أن يخص ابنها منه بعطية دون إخوته، فرد النبي صلى الله عليه وسلم. (أنظر إبن حجر العسقلانى، الإصابة، المجلد الرابع، ص : 146)
92 . أنظر إبن حجر العسقلانى (الفتح) الجزء الخامس، ص : 527
03 . نفس المرجع، ص : 526
13 . أنظر الإمام الصنعانى، الجزء الثالث، ص : 1086 

Tidak ada komentar:

Posting Komentar