Jumat, 20 Januari 2012

الصبر عند الصدمة الأولى من خصائص المسلم

الصبر عند الصدمة الأولى من خصائص المسلم
مقدمة
إن الدنيا مليئة بالحوادث والفواجع ، وآمال وآلام ، فدوام الحال من المحال ، والصفو يعقبه الكدر ، والفرح فيها مشوب بترح وحذر. وهيهات أن يضحك من لا يبكي ، وأن يتنعّم أن يتنغّص ، أو يسعد من لا يخزن .
هكذا في الدنيا ، وهذه أحوالها ،وليس للمؤمن الصادق فيها إلا الصبر ، فذلكم دواء أدوائها . قال الحسن –رحمه الله - :(( وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)) أمرنا الله بالصبر، وجعله من أسباب العون والمعية الإلهية ، كما قال الله تعالى في سورة البقرة : $ygƒr'¯»tƒ z`ƒÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#qãYÏètGó$# ÎŽö9¢Á9$$Î/ Ío4qn=¢Á9$#ur 4 ¨bÎ) ©!$# yìtB tûïÎŽÉ9»¢Á9$# ÇÊÎÌÈ ، ثم اخبر مؤكدا أن الحياة محل الإبتلاء بالخوف والجوع ونقص الأرزاق والأموال والأنفس والثمرات ، وأطلق البشرى للصابرين ، وأخبر عن حالهم عند المصائب ، وأثبت جزاءهم كما قال تعالى :Nä3¯Ruqè=ö7oYs9ur &äóÓy´Î/ z`ÏiB Å$öqsƒø:$# Æíqàfø9$#ur <Èø)tRur z`ÏiB ÉAºuqøBF{$# ħàÿRF{$#ur ÏNºtyJ¨W9$#ur 3 ̍Ïe±o0ur šúïÎŽÉ9»¢Á9$# ÇÊÎÎÈ tûïÏ%©!$# !#sŒÎ) Nßg÷Fu;»|¹r& ×pt7ŠÅÁB (#þqä9$s% $¯RÎ) ¬! !$¯RÎ)ur Ïmøs9Î) tbqãèÅ_ºu ÇÊÎÏÈ y7Í´¯»s9'ré& öNÍköŽn=tæ ÔNºuqn=|¹ `ÏiB öNÎgÎn/§ ×pyJômuur ( šÍ´¯»s9'ré&ur ãNèd tbrßtGôgßJø9$#  ÇÊÎÐÈ

نص الحديث
حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه و سلم بامرأة تبكي عند قبر فقال ( اتقي الله واصبري ) قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه و سلم فأتت باب النبي صلى الله عليه و سلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال ( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) .[1]
خمس من الإيمان من لم يكن فيه شيء منهن فلا إيمان له التسليم لأمر الله والرضاء بقضاء الله والتفويض إلى الله والتوكل على الله والصبر عند الصدمة الأولى .[2]
إن عظم الجزاء مع عظم البلاء والصبر عند الصدمة الأولى وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط.[3]
حدثنا هشام بن عمار . حدثنا إسماعيل بن عياش . حدثنا ثابت بن عجلان عن القاسم عن أبي أمامة :عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( يقول الله سبحانه ابن آدم أن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة.[4]
التحليل اللفظي
إليك عني : اسم فعل بمعنى ابعد .
إنما الصبر : الكامل الأجر والثواب .
الصبر لغة : الحبس والكف
الصدمة الأولى هي أول وقوع المصيبة الذي يصدم القلب فجأة،[5] الصدمة الأولى : معناه أن كل مصيبة سوف ينساها ويسلوها صاحبها على مر الزمن، وإنما يحمد ويؤجر عليها عند جدتها وأول وقوعها ، [6] الصدمة الأولى أي الوارد على القلب عند ابتداء المصيبة فهو الصبر المعتبر الدال على ثبات صاحبه وأما بعد فيهون الأمر شيئاً فشيئا .[7]
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمَعْنَى أَنَّ الصَّبْر الَّذِي يُحْمَد عَلَيْهِ صَاحِبه مَا كَانَ عِنْد مُفَاجَأَة الْمُصِيبَة بِخِلَافِ مَا بَعْد ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى الْأَيَّام يَسْلُو
 وقال الحافظ في الفتح الصبر عند الصدمة الأولى أي هو المطلوب المبشر عليه بالصلاة والرحمة .[8]
خمس من الايمان : أي من خصال أهله
من لم يكن فيه شيء منهن فلا ايمان له : أي كامل
التسليم لامر الله : فيما أمر به
والرضا بقضاء الله : فيما قدره
والتفويض الى الله والتوكل على الله والصبر عند الصدمة الاولى : وهي حالة فجأة المصيبة . [9]
شرح الحديث
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي عند قبر صبي لها قد مات وكانت تحبه حباً شديداً فلم تملك نفسها أن تخرج إلى قبره لتبكي عنده فلما رآها الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بتقوى الله والصبر . قال لها: اتقي الله واصبري فقالت له إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي إليك عني أي أبعد عني .
وهذا يدل على أن المصيبة قد بلغت منها مبلغاً عظيماً، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم عنها . ثم قيل لها إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فندمت وجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بابه وليس على الباب بوابون أي ليس عنده أحد يمنع الناس من الدخول عليه فأخبرته وقالت إنني لم أعرفك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى الصبر الذي يثاب عليه الإنسان هو أن يصبر أول ما تصيبه المصيبة هذا هو الصبر أما الصبر بعد ذلك فإن هذا ربما يكون تسلياً كما تتسلى البهائم فالصبر حقيقة أن الإنسان إذا صدم أول ما يصدم ويصبر ويحتسب ويحسن أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها .
ففي هذا الحديث عدة فوائد: أولاً حسن خلق الرسول عليه الصلاة والسلام ودعوته إلى الحق وإلى الخير فإنه لما رأى هذه المرأة تبكي عند القبر أمرها بتقوى الله والصبر . ولما قالت إليك عني لم ينتقم لنفسه ولم يضربها ولم يقمها بالقوة لأنه عرف أنه أصابها من الحزن ما لا تستطيع أن تملك نفسها ولهذا خرجت من بيتها لتبكي على هذا القبر فإن قال قائل أليست زيارة القبور حراماً على النساء قلنا بلى هي حرام على النساء بل هي من كبائر الذنوب لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج لكن هذه لم تخرج للزيارة وإنما خرجت لما في قلبها من لوعة فراق هذا الصبي والحزن الشديد لم تملك نفسها أن تأتي ولهذا عذرها النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقمها بالقوة ولم يجبرها أن ترجع إلى بيتها .
ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان يعذر بالجهل سواء أكان جهلاً بالحكم الشرعي أم جهلاً بالحال فإن هذه المرأة قالت للرسول صلى الله عليه وسلم إليك عني وقد أمرها بالخير والتقوى والصبر ولكنها لم تعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهذا عذرها الرسول عليه الصلاة والسلام .
ومنها أنه لا ينبغي للإنسان المسؤول عن حوائج المسلمين أن يجعل على بيته بواباً يمنع الناس إذا كان الناس يحتاجون إليه إلا إذا كان الإنسان يخشى من كثرة الناس وإرهاق الناس وإشغال الناس عن شيء يمكن أن يتداركوا شغلهم في وقت آخر فلهذا لا بأس به .
وما جعل الاستئذان إلا من أجل النظر كما في الحديث وإلا من أجل أن الإنسان يتصرف في بيته في إدخال من شاء ومنع من شاء .
ومن فوائده أن الصبر الذي يحمد فاعله الصبر عند الصدمة الأولى يصبر الإنسان ويحتسب ويعلم أن لله ما أخذ وله ما أعطى وأن كل شيء عنده بأجل مسمى .
ومنها أن البكاء عند القبر ينافي الصبر ولهذا قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم اتقي الله واصبري .
ويوجد من الناس من يبتلى فإذا مات له ميت صار يتردد على قبره ويبكي عنده وهذا ينافي الصبر بل نقول إن شئت أن تنفع الميت فادع الله وأنت في بيتك ولا حاجة أن تتردد على القبر لأنه يجعل الإنسان يتخيل هذا الميت دائماً في ذهنه ولا يغيب عنه وحينئذ لا ينسى المصيبة أبداً مع أن الأفضل للإنسان أن يتلهى وأن ينسى المصيبة بقدر ما يستطيع والله الموفق .[10]
والصبر لغة: الحبس والكف، وشرعاً: حبس النفس على ثلاثة أمور هو على ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على المصائب والبلاء.
أنواع الصبر :
1.               الصبر على طاعة الله
الصبر على طاعة الله يكون بالمحافظة عليها دومًا والإخلاص فيها ووقوعها على مقتضى الشرع . ومما يعين على تحصيله المعرفة بالله وحقه على العباد ، وحسن الجزاء للمطيعين .[11] ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى الأرضين .[12] يصبر الإنسان على طاعة الله لأن الطاعة ثقيلة على النفس تصعب على الإنسان وكذلك ربما ثقيلة على البدن بحيث يكون مع الإنسان شيء من العجز والتعب وكذلك أيضاً يكون فيها مشقة من الناحية المالية كمسألة الزكاة ومسألة الحج . المهم أن الطاعات فيها شيء من المشقة على النفس والبدن فتحتاج إلى صبر وإلى معاناة قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا الأمر.[13]
2.               الصبر على المعصية
الصبر على المعصية يكون بهجر السيئات والقرار من المعاصي والدوام على هذا الفرار وذلك الهجر ومما يعين على تحصيل هذا الصبر استحضار الخوف من عذاب الله، وأعلى من هذا استحضار الحياء من الله والمحبة له، مع استحضار ثمرة هذا الصبر وهي ابقاء الايمان وتقويته وإنماؤه لأن المعصية تنقص الإيمان أو تضعفه أو تكدره أو تذهب نوره وبهاءه .[14] ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش مرتين .[15]
الصبر عن محارم الله بحيث يكف الإنسان نفسه عما حرم الله عليه لأن النفس الأمارة بالسوء تدعو إلى السوء فيصبر الإنسان نفسه، مثل الكذب والغش في المعاملات وأكل المال بالباطل بالربا أو غيره والزنى وشرب الخمر والسرقه وما أشبه ذلك من المعاصي الكثيرة فيحبس الإنسان نفسه عنها حتى لا يفعلها وهذا يحتاج أيضاً إلى معاناة ويحتاج إلى كف النفس والهوى .[16]
3.               الصبر على البلاء والمصائب
أما الصبر على البلاء والمصائب فيكون بترك التسخط واحتمال المؤلم المكروه وترك الشكوى للناس فإن الصبر الجميل ينافيه الشكوى للمخلوق أما الشكوى لله فلا ينافيه، قال تعالى عن يعقوب عليه السلام: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} ومما يستدعي هذا الصبر استحضار نعم الله التي لا تعد ولا تحصى فتهون على المصاب مصيبته ويقل وقعها على نفسه ويكون مثله مثل من يعطى ألف دينار ويفقد فلساً واحداً. ومما يعين أيضاً على الصبر على البلاء تذكر الجزاء العظيم للصابرين. [17]
الصبر على المصائب كثيرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يرد الله به خيرا يصب منه ) .[18]  وجوب الصبر على المصائب لأنها ابتلاء من الله - تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين . ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون . ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" {البقرة: 153- 157}. وتكون المصائب كفارات للذنوب: عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكُها".[19] فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلثمائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض .[20] ولكن الصبر عن المحرمات أفضل من الصبر على المصائب .[21]
أن أنواع البلايا كثيرة تحتاج إلى صبر ومعاناة فيصبر الإنسان نفسه عما يحرم عليه من إظهار الجزع باللسان أو بالقلب أو بالجوارح، لأن الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات: الحال الأولى: أن يتسخط، والحال الثانية أن يصبر، والحال الثالثة أن يرضى، والحال الرابعة: أن يشكر .[22]
وصايا تعين المسلم في الصبر على المصائب
 أولاً: إعداد النفس
على المسلم أن يهيِّئ نفسه للمصائب قبل وقوعها، وأنْ يدرِّبها عليها قبل حدوثها، وأنْ يعمل على صلاح شؤونها؛ لأنّ الصبر عزيز ونفيس، وكل أمر عزيز يحتاج إلى دربة عليه.
عليه أنْ يتذكّر دوماً وأبداً زوال الدنيا وسرعة الفناء، وأنْ ليس لمخلوق فيها بقاء.
ثانياً: الإيمان بالقضاء والقدر
من آمن بالقضاء والقدر، وعلم أنّ الدنيا دار ابتلاء وخطر، وأنّ القدر لا يُردّ ولا يؤجَّل اطمأنت نفسه، وهان أمره. ومن المشاهَد المعلوم أنّ المؤمنين هم أقلّ الناس تأثُّراً بمصائب الدنيا، وأقلُّهم جزعاً وارتباكاً؛ فالإيمان بالقضاء والقدر صار كصِمَام الأمان الواقي لهم ـ بإذن الله ـ من الصدمات والنكسات. إنهم مؤمنون بما أخبرهم به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفت الصحف»
ثالثاً: تذكر حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة لكل مسلم، كما قال - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وفي تأمُّل حاله - عليه الصلاة والسلام - عظة وسلوى وعزاء؛ فقد كانت حياته كلها صبراً وجهاداً؛ ففي فترة وجيزة مات عمه أبو طالب الذي كان يمنع المشركين من أذاه، وماتت زوجته الوفيّة الصابرة خديجة، ثمّ ماتت بعض بناته، ومات ابنه إبراهيم، فلم يزد على أنْ قال ـ وقد دمعت عيناه ـ: «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»(1)، ومات الكثير من أصحابه الذين أحبَّهم وأحبّوه، فما فَتَّ ذلك في عضُدِه، ولا قلَّل من عزيمته وصبره.
ومن تأمَّل أحوال السلف الصالح وجدهم - رضي الله عنهم - قد حازوا الصبر على خير وجوهه، وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الممتحنة: 6]. تأمَّلوا حال عروة بن الزبير - رحمه الله - وقد ابتلي في موضع واحد بقطع رجله مع موت ابنه، فلم يزد على أنْ قال: «اللهمّ كان لي بنون سبعة فأخذتَ واحداً، وأبقيتَ لي ستة، وكان لي أطراف أربعة؛ فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة؛ ولئن ابتلَيْتَ لقد عافيت، ولئن أخذتَ لقد أبقيت».
رابعاً: استحضار سعة رحمة الله، وواسع فضله
المؤمن الصادق في إيمانه يُحْسِن ظنَّه بربه، وقد قال الله كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا عند ظن عبدي بي»(3)، فثقوا بسعة رحمة الله بكم، وأنّ أقداره خير في حقيقة أمرها، وإنْ كانت في ظاهرها مصائبَ مكروهةً وموجعةً، وقد قال الله: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: «عجباً للمؤمن؛ لا يقضي الله له شيئاً إلا كان خيراً له! ».
ثمَّ تأمَّلوا فيما حباكم به الله من النعم والمنن؛ لتعلموا أنّ ما أنتم فيه من البلاء كقطرة صغيرة في بحر النعماء! وتذكَّروا أنّ الله لو شاء لجعل المصيبة أعظم، والحادثة أجل وأفدح. واعلموا أنّ فيما وُقيتم من الرزايا وكُفيتم من الحوادث ما هو أعظم مما أُصبتم به.
لمّا قتل الخضرُ الغلامَ الذي لقيه مع موسى أنكر موسى ذلك أول الأمر، حتى تبيّن له أنّ قتله كان لحكمة عظيمة، أخبر الخَضِر بها كما حكى عنه الله في كتابه فقال: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80 - 81]، وأخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إنّ الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً»
خامساً: التأسي بغيره من أهل المصائب
تأسَّوْا بغيركم، وتذكَّروا مصاباتهم، وانظروا إلى من هو أشدّ مصيبة منكم؛ فإنّ في ذلك ما يُذهب الأسى، ويخفف الألم، ويقلِّل الهلع والجزع، وتذكَّروا أنّ «مَن يتصبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله» .
ليتذكَّرْ من أصيب بعاهة أو مرض مَنْ أصيب بما هو أشدّ، وليتذكَّرْ من فجع بحبيب مَن فُجع بأحباب، وليتذكَّرْ من فقد ابنه مَن فقد أبناء، وليتذكَّرْ مَن فقد أبناءً مَن فقد عائلة كاملة.
ليتذكَّر الوالدان المفجوعان بابنٍ آباءً لا يدرون شيئاً عن أبنائهم؛ فلا يعلمون: أهم أحياء فيرجونهم، أم أموات فينسونهم. وقد فقد يعقوبُ يوسفَ - عليهما السلام - ومكث على ذلك عقوداً من السنين، وبعد أنْ كبِر وضعف فقد ابناً آخر، فلم يزد على أنْ قال في أول الأمر: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]
سادساً: تذكّر أنّ المصائب من دلائل الفضل
المصائب من دلائل الفضل، وشواهد النبل، وكيف لا يكون ذلك، وقد سأل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! أيُّ الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياءُ، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان دينه صُلْباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه؛ فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة» .
وقال عليه ـ الصلاة والسلام ـ: «مَن يرد الله به خيراً يُصِبْ منه»، وأخبر أنّ «الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم» .
سابعاً: تذكر حُسن الجزاء
ليتذكر كل منا حُسن الجزاء ليخف حمل البلاء عليه؛ فإنّ الأجر على قدر المشقة، والنعيم لا يُدرك بالنعيم، والراحة لا تنال إلا على جسور من التعب، وما أقدم أحد على تحمُّل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجّلة، والصبر على مرارة العاجل يفضي إلى حلاوة الآجل، و «إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء». تذكَّروا ما أعدّه الله للمبتلَين الصابرين من الأجر والثواب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات، وحسن الخلف والعوض.
فأمّا الأجر والثواب فلا أحسن ولا أعظم من الجنة جزاءً وثواباً، وقد وعد بها كثير من الصابرين؛ والمصائب من أسباب رفعة الدرجات؛ فبالصبر عليها يبلغ العبد منْزلة لم يبلغها بعمله.
ثامناً: كف النفس عن تذكر المصيبة
على من أصيب بمصيبة أنْ يكفَّ نفسه عن تذكُّرها، وتردادها في ذهنه وتجوُّلها، وأنْ ينفيَ الخواطر والمهيِّجات إذا مرَّتْ به، ولا ينمّيها ويعايشها؛ فإنها تصير أماني لا نفع منها ولا غنًى وراءها، وأمثال هذه الأماني رؤوس أموال المفاليس؛ لأنّ من مات لا يعود، وما قُضي لا يردّ، وقد روي عن عمر ابن الخطاب ـ - رضي الله عنه - ـ قوله: «لا تستفزُّوا الدموع بالتذكُّر».
وممّا يقع فيه كثير ممّن أصيب بفقد حبيب أو قريب أنه يسعى إلى الاحتفاظ ببعض أشياء الميت التي تذكِّره به في كل حين، مما يحول دون برء جراحه، ويجدِّد همومه وأحزانه.
تاسعاً: الابتعاد عن العزلة والانفراد
ابتعد ـ أيُّها المصاب ـ عن العزلة والانفراد؛ فإنّ الوساوس لا تزال تجاذب المنعزل المتفرِّغ، والشيطان على المنعزل أقدر منه على غيره.
وأشغل نفسك بما فيه نفعك، واحزم أمرك، واشتغل بالأوراد المتواصلة والقراءة والأذكار والصلوات، واجعلها أنيسك ورفيقك؛ فإنّه بذكر الله تطمئنّ القلوب.
عاشراً: ترك الجزع والتشكي
إيّاكم ـ عند المصائب ـ والجزعَ وكثرةَ الشكوى، فإنّ من غفل عن أسباب العزاء ودواعي السلوة تضاعفت عليه شدّة الأسى والحسرة،. من علم أنّ المقدَّر كائن والمقضيَّ حاصل كان الجزع عناءً خالصاً، ومصاباً ثانياً، وقد قال - تعالى -: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 22 - 23].[23]

خاتمة

لا يمكن للإنسان أن يعيش دون أن تحصل له مصيبة مهما اختلف نوعها وشدتها ، وله على ذلك الأجر كما ورد في العديد من الأثار التي لا يمكن حصرها ومنها الصبر على المصيبة ، التقوى والإيمان بالله للحصول على الصبر ولنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة بما لاقي من الأذى
إن الصبر بمنزلة الرأس في الجسد . والناس بدون الرأس فهو ميت . لذالك اهتم الله عن هذا الأمر . وينبغي على الطالب أن يتمسك بهذا الحديث . فالله المستعان على ما نريد . والله أعلم بالصواب .











المصادر والمراجع
أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ، الزهد والورع والعبادة
جلال الدين السيوطي، جامع الأحاديث
زين الدين عبد الرؤوف المناوي، التيسير بشرح الجامع الصغير، (الرياض : دار النشر، 1408هـ - 1988م)
علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري ، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، (مؤسسة الرسالة: 1401هـ/1981م
علي بن نايف الشحود  ،موسوعة فقه الابتلاء الباحث في القرآن والسنة
محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي ، الجامع الصحيح المختصر، (يمامة، بيروت : دار ابن كثير، 1408)
محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي ، الجامع الصحيح المختصر
محمد بن صالح بن محمد العثيمين ، شرح رياض الصالحين، موقع جامع الحديث النبوي
محمد بن محمد الغزالي أبو حامد ، إحياء علوم الدين، (بيروت : دار االمعرفة)
محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني ، سنن ابن ماجه ،(بيروت : دار الفكر )


[1]محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي ، الجامع الصحيح المختصر، (يمامة، بيروت : دار ابن كثير، 1408) باب زيارة القبر ج1 ص430، وأخرجه أيضا أبو داود في سننه ج3 ص161
[2]جلال الدين السيوطي، جامع الأحاديث ، باب حرف الخاء ج12 ص311
[3] المرجع السابق ،... رقم الحديث 7943ج 9 ص74
[4]محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني ، سنن ابن ماجه ،(بيروت : دار الفكر ) ، ج1 ص509
[5]محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي ، الجامع الصحيح المختصر ج1ص430
[6]علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري ، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، (مؤسسة الرسالة: 1401هـ/1981م ج3 ص277
[7]زين الدين عبد الرؤوف المناوي، التيسير بشرح الجامع الصغير، (الرياض : دار النشر، 1408هـ - 1988م) ج1 ص533
[8]محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا ، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ، (بيروت : دار الكتب العلمية )،  ج4 ص54
[9] زين الدين عبد الرؤوف المناوي، التيسير بشرح الجامع الصغير،... ج1 ص1056
[10]محمد بن صالح بن محمد العثيمين ، شرح رياض الصالحين، موقع جامع الحديث النبوي ، ج1 ص29
[11]الدكتور عبد الكريم زيدان ، أصول الدعوة،... ج1 ص 394
[12]علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري ، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال،... ج3 ص273
[13]محمد بن صالح بن محمد العثيمين، شرح رياض الصالحين ،... ج1 ص29
[14]الدكتور عبد الكريم زيدان، أصول الدعوة،... ج1 ص 394
[15]علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري ،كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال،... ج3 ص273
[16]محمد بن صالح بن محمد العثيمين ، شرح رياض الصالحين،... ج1 ص29
[17]الدكتور عبد الكريم زيدان ، أصول الدعوة،... ج1 ص 394
[18]محمد بن محمد الغزالي أبو حامد ، إحياء علوم الدين، (بيروت : دار االمعرفة)، ج4 ص131
[19]علي بن نايف الشحود  ،موسوعة فقه الابتلاء الباحث في القرآن والسنة ، ج4 ص43
[20]علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري ،كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال،... ج3 ص273
[21]أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ، الزهد والورع والعبادة ، ج1 ص8
[22] محمد بن صالح بن محمد العثيمين ، شرح رياض الصالحين،...ج1 ص29
[23]علي بن نايف الشحود  ،موسوعة فقه الابتلاء الباحث في القرآن والسنة،... ج2 ص26

Tidak ada komentar:

Posting Komentar