,غضب الله على
المهملين بمصالح الإجتماعية-
حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ
الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ
بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا
يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ
يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ
وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا
فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا(1).
(1)
التخريج :
روى هذا الحديث البخارى فى
كتاب التوحيد فى باب قوله تعالى "وجوه يومئذ ناظرة" عن طريق عبد الله بن
محمد ثلاثة لا يكلمهم الله، وعن طريق عيسى ابن إسماعيل ثلاثة لا ينظر الله إليهم.
وقال فيه رجل بايع إمامه لا يبايعه إلا الدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه
منها سخط ثم تلا هذه الآية(2) "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا
قليلا"(3). وروى أيضا مسلم فى كتاب الإيمان فى باب بيان غلظ
تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف، وفى آخر روايته قال رجل
بايع إماما لا يبايعه إلا الدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعط لم يف(4). وروى أيضا إبن ماجه فى كتاب التجارات فى باب
كراهية الأيمان فى الشراء والبيع(5)، وفى كتاب الجهاد فى باب الوفاء بالعهد(6)، وقال فيه رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن
السبيل. والله أعلم.
(2)
معانى المفردات :
¨
لا يكلمه الله : آى كلام
الرضا. ولا ينظر إليهم آى نظر رحمة، نظر إنعام
¨
يوم القيامة : إستهانة
عليهم وغضبا عليهم بما انتهكوا من حرمته.
¨
ولا يزكيهم : ولا يطهرهم
من دنس ذنوبهم. ولهم عذاب أليم آى مؤلم على مااجترحوه.
¨
من ابن السبيل : آى
المسافر المضطر للماء لنفسه أو حيوان محترم معه.
¨
ورجل بايع إمامه : آى عاقد
الإمام الأعظم على أن يعمل بالحق ويقيم الحد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
¨
لدنيا : آى لعرض الدنيا.
¨
بعد العصر : خص العصر
لكونه وقت نزول الملائكة لرفع الأعمال النهار، وإذا خالف كاذبا فى ذلك الوقت ختم
على نهاره بعمل سيء فكان جديرا بالإبعاد والطرد عن رب العباد. وقال فؤاد عبد
الباقى : بعد العصر للمبالغة فى الذم لأنه وقت يتوب فيه المقصر تمام النهار
فالمعصية فى مثله أقبح.
(3)
الشرح :
المعاصى محارم الله التى
نهى عباده عن اقترافها وحذرهم من انتهاكها وأن يحوموا حولها. ثلاثة أشخاص يغضب
الله عليهم يوم القيامة يوم يجزى كل نفس ما عملت. فلا ينظر إليهم نظر عطف ولطف
ورحمة بل نظر مقت وغضب وازدراء، ولا يلتفت إليهم مطلقا إعراضا عنهم، وزيادة سخط
عليهم، ولا يطهر فى الدنيا نفوسهم من الأوزار. وكيف يطهرها ولم يعدوها لقبول
الهداية بل لوثوها بخبث ضميرهم، وكذب إيمانهم الذى هو جزء وضرب من النفاق. ومنعهم
المعونة من هم فى حاجة إليها، أو معنى التزكية عدم الثناء عليهم والمدح لهم لأنهم
مجرمون ولهم مع الغضب وعدم التطهير عذاب شديد فى الآخرة.
فأول الثلاثة، رجل له ماء
بالطريق كبئر أوحوض أو مصاصة مايزيد عن حاجته من الماء فمنعه السائلة المارين وهم
فى حاجة إليه. وأنه لذو نفس خبيثة إذ منع نعمة ساقها الله إليه. بها حياة الإنسان
والحيوان والنبات، كما قال الله تعالى : "وجعلنا من الماء كل شيء حي"(7). وانظر أيضا : "فويل للمصلين. الذين هم عن
صلاتهم ساهون. الذين هم يرآؤون. ويمنعون الماعون"(8). والمعروف عند الجميع أن المياه من أهم حاجات
الإنسان، وبها الحياة والممات.
وثانى الثلاثة، رجل بايع
إمامه ورضي له بالسمع والطاعة وهو غير مخلص فى بيعته. إنما بايعه لمصلحة خاصة
يرجوها كوظيفة يأملها أو مشقة يريد مساعدته على الخلاص منها، أو مال يبتغيه لنفسه
أو ولده، فإن أجيب إلى بغيته رضي واطمأن، وإن لم يجب غضب وسخط وشن الغارة والمكر
والعدوان حتى الفتنة على ذلك الذى بايعه. ومثل هذا جذير بغضب الله وعقابه، ومنعه
التوفيق والهداية إذ باع مصلحة المسلمين والعمل لخيرهم والنصح لهم فى اختيار إمام
عادل. وكم، وكم مرة وجدنا الأشخاص الذين يتصفون بهذه الصفات الرذيلة. وليس شيء أهم
عندهم سوى المنصب والمنزلة والجاه، وطلبوها بطريقة هينة.
وثالث الثلاثة، رجل يغش
المسلمين بامتهان اسم الله المقدس والحلف به زورا لينال عرضا رائلا وريحا كاسدا،
وما هو بنائله. وخص بالعصر لكونه وقت نزول الملائكة الكرام إلى الأرض لرفع الأعمال
إلى الملك الجليل. والمطلوب من الجميع أن يكفوا جوارحهم عن الكذب والحلف بغير الحق
حتى يكونوا من المقبولين المحسنين عنده.
فالحلف الكاذب جريمة
وفضيحة تفسد المجتمع الإنسانى وتهدم قواعده. فكيف إذا حالف الشخص أمام الجميع باسم
الله الأعظم حتى تصدقه الناس وفى نفس الوقت يكذب ويخدع؟ فهل من الذين يشترون آيات
الله ثمنا قليلا؟ أجل، ولقد حق عليهم الطرد والبغض عن باب رب العباد. والسلعة صورة
من صور الإقتصادية العمة التى تجب لجميع أعضاء المجتمع حمايتها ورعايتها حتى توفرت
وتكاملت. ولا يجوز لهم أن يسيطروها ويحتكروها ثم يتصرفونها على حسب رغباتهم
وإرادتهم.
فواجب المؤمن فى تجارته أن
يكون صادقا أمينا لا خائنا ولا غاشًّا، وأن يقنع بالربح القليل من حلال طيب عن
كثير من حرام خبيث. لأن الأول كثير البركة مأمون الفائدة. وإذا سلك التاجر الأمين
هذا المسلك تحقق الأمن والراحة، وتحقق أيضا النجاة والسعادة فى الدارين.
فنظرة الله على عباده هي
الرحمة والشفقة والنجاة فى يوم المعاد. وفى الدنيا يتمنى كل إنسان أن تكون عيون
رؤسائهم ناظرة ومتوجهة إليهم ولو لحظة واحدة، لأنهم يعلمون أن فى النظرة رحمة
مهداة ومنجية. وكيف بنظرة الملك الجليل فى القيامة؟ نعم، هي من أكبر الأمنية
والرغبات. وفى نظرة الملك الجليل الرضا والجنة.
الإستنباط
:
وفى الحديث بيان واضح أن الله تعالى يرحم
عباده برحمته الواسعة وبلطفته الصادقة لمن يتمثل بشرائعه الشريفة، ويغضب بغضبه لمن
يدبر ويعاند شرائعه ويمشى على الأرض رافعا رأسه، ولا يهتم إلا لنفسه. فعلى
المؤمنين أن يقدموا المصلحة الإجتماعية عن مصلحة الفردية. والله أعلم.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar