Minggu, 22 Januari 2012

الرحمة على الصبيان والتوقير على الكبراء


الرحمة على الصبيان والتوقير على الكبراء

          حدثنا أبو بكر محمد بن أبان، حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيْرَناَ وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيْرَناَ"(1)
(1) التخريج :
أخرج الإمام الترمذي هذا الحديث فى كتاب البر والصلة فى باب ما جاء فى رحمة الصبيان. وله أيضا عن محمد بن مرزوق البصري "جاء شخص يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كمثال الحديث، وذكر ولم يوقر كبيرنا"، هذا من رواية أنس بن مالك. وله أيضا عن كريق هناد. وقد أخرج أبو داود فى كتاب الأدب بسنده عن أبى بكر بن أبى شيبة وقال "من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا"(2). وروى أحمد عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر"(3). وأيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه وعن جده(4)، قال أبو عيسى أن طريق عمرو بن شعيب حديث حسن صحيح. والله أعلم.
(2) معانى المفردات :
ÿ ليس منا : قال بعض أهل العلم ليس من سنتنا، آى ليس من أدبنا. كان سفيان يقول: ليس مثلنا آى من مثلنا(5). قيل من خواصنا، وهو كناية عن التبرئة.
ÿ لم يرحم صغيرنا : الصغير من المسلمين بالشفقة عليه والإحسان عليه.
ÿ ويعرف شرف كبيرنا : بالجزم، بما يستحقه من التعظيم والتبجيل.
(3) راوى الحديث :
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي. قال أبو حاتم سكن مكة، وكان يخرج إلى الطائف. روى الحديث عن أبيه وجل روايته عنه وعمته زينب بنت محمد وزينب بنت أبى سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وعنه عطاء، وعمرو بن دينار، والزهري، ويحيى بن سعيد، وهشام بن عروة وغيرهم. وقال حذيفة وغيره: مات سنة ثمانى عشر ومائة. وقال ابن حجر: عمرو بن شعيب ضعفه ناس مطلقا، ووثقه الجمهور، وضعف بعضهم عن أبيه وجده حسب. وقال الساجى، قال ابن معين: هو ثقة فى نفسه، وماروى عن أبيه عن جده لا حجة فيه وليس بمتصل وهو ضعيف من قبيل أنه مرسل. والله أعلم(6).
(4) الشرح :
يهتم الإسلام بتربية وتهذيب أفراده تربية صحيحة وتهذيبا صالحا لكل زمان ومكان، فيكون أثرهم جميلا وعلى أنفسهم وعلى غيرهم، فى حياتهم وحتى بعد مماتهم. فالمسسلم كما قال بعض السلف كالغيث حيثما وقع نفع. هذا ما نلمسه فيما اشتمل عليه هذا الحديث الشريف من توجيهات نبوية ككفيلة ببناء مجتمع فاضل متكافل تصان فيه حقوق الجميع من كافة الأعمار والمراتب وتحترم مشاعرهم.
وقال المناوى: وعليك برحمة الخلق أجمعين ومراعاتهم كيفما كانوا فإنهم عبيد الله عز وجل وإن عصوا. وخلق الله وإن فضل بعضهم على بعض، فإنك إذا فعلت نجح سعيك وسما جدك(7). وإذا نظر هذا الحديث الشريف لوجدنا عدة التوجيهات الكريمة، وأقتصر على ما يلى:
1-  التوجيه التربوي فى قوله e : "ليس منا" إلى البراءة من أولئك الذين قست قلوبهم ونزعت الرحمة من أنفسهم فلا يوقرون كبيرا ولا يعطفون على صغير.. لأن ذلك السلوك وتلك الصفة متنافية مع هدي الإسلام والكريم وتربيته العظيمة وأخلاقه المثالية، فكان هذا التوجيه النبوي محذرا منه وناهيا عنه.
2- التوجيه النبوي إلى حاجة الصغير الملحة من الرحمة والعطف والشفقة من قبل الآخرين لا سيما وأنه فى مرحلة عمرية يحتاج فيها إلى توفير العطف والحنان والرأفة من لدن الآخرين حتى ينشأ نشأة صحيحة وينمو نموا سليما وينعم بتربية سوية تغرس فى نفسه حب من حوله والإستئناس بهم واحترامهم منذ نعومة أظفاره.
3-  التوجيه النبوي إلى حفظ حق الكبير وضرورة إكرامه لما فى ذلك من تربية على الوفاء والإحترام والإجلال من الصغير للكبير، وهذا ملمح تربوي فريد تمتاز به التربية الإسلامية ويتسم به المجتمع المسلم، ولذلك ورد قوله e : "ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه" (رواه الترمذى)(8).
4-  إهتمام التربية الإسلامية بجميع أفراد المجتمع المسلم، صغيرهم وكبيرهم، فللصغار الرحمة والعطف، وللكبار الإحترام والتوقير والإجلال. وهذا بعدٌ تربوي إسلامية تميزت به التربية الإسلامية وتفوقت به على ما يسمى بالتربية الحديثة التى تعانى اليوم من مشاكل الطفولة الضائعة والإحترام المفقود بين أفرادها لاسيما كبار السن منهم الذين يُطرَدون من المنازل لتحتضنهم الأرصفة أو الدور الخاصة بكبار السن والعجزة. وإن على المسلم صيانة لسانه عن فاحش الكلام وساقط القول وفضول الحديث وما لا فائدة فيهز وهذا فيه توجيه نبوي يربى المسلم على حلو الكلام وجميل القول وطيب الحديث. فالمسلم كالنحلة تأكل طيبا وتخرج طيبا. ثم لأن إلتزام المسلم بهذا التوجيه النبوي نجاة من غضب الله سبحانه وسلامه من عقابه. وعلى المسلم التحكم فى عمل يده. والمقصود بذلك عدم إيذاء الآخرين بأي جارحة من الجوارح.
5-  التوجيه النبوي إلى كيفية بناء المجتمع المسلم القائم على الفضيلة والخلق القويم، والذى يتحقق فيه لأفراده الإجتماع والتعاون والمحبة والألفة وتتوطد فيه أواصر المودة وتنتشر فيه السعادة ؛ وإن ذلك كله يعتمد على مبدئين هامين لا بد من توافرهما والتحلى بهما ألا وهما : التراحم العام والإحترام المستمر.
6-  النهي النبوي على الإتصاف بصفات القسوة والغلظة وجفاف النفس وعدم الإحترام للآخرين أو مجافاتهم لمنافاة ذلك كله لمعنى الرحمة ومدلول الشفقة، ومخالفته لصفة الإحترام والتقدير. وهذا فيه توجيه نبوي غير مباشر حيث أن الحديث نص على ضرورة اتصاف المسلم بالرحمة والشفقة واحترام الآخرين وتوقيرهم، وهذا يعنى النهي عن مخالفة ذلك. لماذا لا نهتدى بهدي الإسلام؟ ولماذا لا نعيش فى واقعنا مطبقين لهذه التوجيهات النبوية الرائدة، محافظين عليها، متمسكين بتعاليمها؟!. ولماذا لا نربى أنفسنا بهذه التربية المثالية ونتحلى بتوجيهاتنا الكريمة التى تكفل للكبير التقدير والإحترام، وللصغير الشفقة والرحمة؟!
إشتمل هذا الحديث الشريف على صورة مشرفة من صور التربية الإسلامية المباركة التى يفوح شذاها العطري ليعطر أجواء المجتمع السلم، وليربى الإنسان على أن يكون صادقا فى إسلامه، قدوة فى معاملته، كاملا فى عقيدته، وهو ما نلحظه فى التوجيهات التربوية النبوية التى جاء بها هذا الحديث ومنها : التوجيه التربوي النبوي إلى حقيقة المسلم القائمة على تخلق الإنسان بصفات سلوكية تربوية مثالية تجعل منه مسلما حقيقيا فى كل شأن من شؤونه قولا وعملا، سرا وجهرا، ظاهرا وباطنا.
ويمكننا أن نحمل معنى الرحمة والتوقير إلى الشفقة والمودة إذا رأيت مثلا معسرا فساعده بمالك، أو مظلوما فانصره بجاهك، أو مكروبا فنفس كربته، أو فقيرا فاعطه حاجته، أو يتيما فأحسن إليه تكن من أهل المواساة. ثم وكن محببا إلى قومك وجيرانك معظما فيهم، منشرح الصدر، مستريح الفؤاد لتأدية الواجب الإنساني وإرضاء رب العباد. وفى علمنا من قام بواجب المساواة نال وفاز الثناء الجميل واأجر الجزيل فضلا عن ارتياح نفسه وسرور قلبه وزوال ألمه عند شعوره بمساعدة غيره. وإن أحسن الأعمال ما كان خالصا لمرضاة الله، خاليا عن كل غرض كبير أو صغير، وأفضل الأمور ما كان فى صالح الإنسانية بصفة عامة بتخفيف ويلاتها، ومساعدة المحتاجين.
ومن نوع التوقير للكبير أو المسنين تقديم السلام عليهم كما جاء فى الحديث : "ليسلم الصغير على الكبير"(9)، وقوله "إبدأوا بالكبراء أو قال بالأكابر"(01). فالحق تعالى يرشدنا بحسن معاملتهم "$uZøŠ¢¹urur z`»|¡SM}$# Ïm÷ƒyÏ9ºuqÎ/ $YZó¡ãm ( bÎ)ur š#yyg»y_ x8ÎŽô³çFÏ9 Î1"(11)، وقوله "$yJßgö6Ïm$|¹ur Îû $u÷R9$# $]ùrã÷ètB"(21)
(5) الإختتام والإستنباط :
1.    إعلم أن مسئولية التربية الإيمانية والسلوكية لدى المربين والآباء والأجداد، والأمهات لهن مسئولية هامة وخطيرة لكونها منبع الفضائل ومبعث الكمالات، بل هي الركيزة الأساسية الفرد فى خطيرة الإيمان وقنطرة الإسلام. وبدون هذه التربية لا ينهض الفرد بمسئولية، ولا يتصف سلوك محمود، ولا يتحقق بمعنى الإنسانية الفاضلة، ولا يعمل لمثل أعلى ولا هدف نبيل، بل يعيش عيشة البهائم، ليس له سوى أن يسد جوعته ويشبع غريزته وينطلق وراء الشهوات والملذات.
2.   وعلى الأب والأم والجد والمربى ألا يترك فرصة سائحة إلا وقد زود الولد بالبراهين والحجج التى تدل على امتثال الأوامر واجتناب النواهى والأدب السامى والخلاق الكريم.
3.    والله أعلم.






(1)  الإمام إبن العربى، الجزء الرابع، ص: 316
(2)  الإمام أبى الطيب أبادى، الجزء الثالث عشر، ص: 196
(3)  الإمام أحمد بن حنبل، الجزء الأول، ص:257
(4)  الإمام أحمد بن حنبل، الجزء الثانى، ص: 185، ص: 207
(5)  الإمام إبن العربى، نفس المرجع.
(6)  الإمام إبن حجر العسقلانى، التهذيب، الجزء السادس، ص: 160-163.
(7)  الإمام المناوى، الجزء الخامس، ص:388
(8)  الإمام إبن العربى، الجزء الرابع، ص: 366. وقال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ يزيد بن بنان وأبو الرحال الأنصارى
(9)  الإمام البخارى، الجزء الخامس، ص: 2302
(01)  الشيخ ناصر الدين البانى، سلسلة الأحاديث الصحيحة، عمان 1402، الجزء الرابع، ص: 381
(11)  أنظر سورة العنكبوت :8
(21) أنظر سورة لقمان : 15

Tidak ada komentar:

Posting Komentar