الأمر على تغيير المنكرات
حدثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان1 .
التخريج :
فقد روى هذا الحديث الصحيح أصحاب السنن ومسلم وأحمد فى مواضع متعددة من حديث طارق بن شهاب عن أبى سعيد الخدري. وروى مسلم فى باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان. وهذا حديث أبى بكر قال : " أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل، فقال : الصلاة قبل الصلاة، فقال : قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى عليه، سمعت رسول الله..، فذكر الحديث : "من رأى منكم منكرا.."إلخ2 . وروى أبو داود عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه... فقال يامروان خالفت السنة..، ثم ذكر الحديث3. وروى الترمذي فى كتاب الفتن ؛ باب ما جاء فى تغيير المنكر باليد أواللسان أو بالقلب عن طارق بن شهاب قال : " أول من قدّم الخطبة قبل الصلاة مروان.."، ثم ذكر الحديث. وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح4. وفى رواية أحمد عن طارق ابن شهاب، خطب مروان5 قبل الصلاة يوم العيد، فقام رجل..، ثم ذكر الحديث6.
راوى الحديث :
أبو سعيد الخدري، هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري. إستصفر يوم أحد فردا، فخرج فيمن يتلقى رسول الله حين رجع من أحد، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : سعد بن مالك ؟ قال : قلت نعم، بأبى وأمى أنت، قال : فدنوت منه فقبلت ركبتيه، فقال : آجرك الله فى أبيك، وكان قد قتل يومئذ شهيدا7. وغزا بعد ذلك إثنتي عشرة غزوة. وحاله قريب من أهل الصفة وإن كان أنصاري الدار لإيثاره التصبر واختياره للفقر والتعفف8.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه وأخيه لأمه قتادة بن النعمان، وأبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعنه إبنه عبد الرحمن وزوجته زينب بنت كعب بن عجزة، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وزيد بن ثابت، وغيرهم. وقال حنظلة بن أبى سفيان عن أشياخه : لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفقه من أبى سعيد. مات سنة 74 وهو 71 سنة9.
التحليل اللفظي :
- من رأى منكم : يعنى علم منكم معشر المسلمين المكلفين القادرين. فالخطاب لجميع الأمة حاضرها بالمشافهة وغائبها بطريق التبع أو لأن حكمه على الواحد حكمه على الجماعة.
- منكرا : آي شيئا قبيحة الشرع فعلا أو قولا ولو صغيرة.
- فليغيره : آي فليزله وجوبا شرعا.
- بيده : حيث كان مما يزال بها ككسر آلة لهو أو آنية خمر.
- فإن لم يستطع : الإنكار بيده بأن ظن لحوق ضرر به لكون فاعله أقوى منه، فالواجب له تغييره بلسانه آي بالقول كاستغاثة أو توبيخ أو تذكير بالله أو إغلاظ بشرط أن لا يغلب ظن أن المنهي يزيد عنادا.
- فبقلبه : ينكره وجوبا بأن يكرهه به ويعزم أنه لو قدر بقول أو فعل. وهذا واجب عينا على كل أحد بخلاف الذى قبله01.
فقه الحديث :
إن الدعوة إلى الخير والبر والصلة وامتثال ما أمر الله عز وجل ونبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام واجبة على كل مسلم ومسلمة، وكذلك اجتناب النواهى. ومن المسلمين من يسقط فى المنكرات والمنهيات حبا وكرها، هذا من أجل عدم قدرتهم على التحمل بالصعوبات والمشقات اليومية التى تواجههم، ومنهم من يشرب الخمر، ويزنى، ويقتل، أعاذنا الله تعالى من هذه الأعمال السيئة. وما حق المسلم على أخيه الذى ارتكب تلك الجرائم ؟ فهل يسكت ويتركه ويقول "إن شاء الله عذبك وإن شاء غفرك.
وكم من وصيته صلى الله عليه وسلم للمسلمين الحاضرين معه ولنا الغائبين أن نأخذهم بالرحمة والمودة والشفقة إلى دين الله. الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين. لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ومن ناحية أخرى أشارتنا الآيات الكريمة : ” وقل الحق من ربكم “11. ” فاصدع بما تؤمر وأعرض عن الجاهلين “21. ” وكانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ليس ما كانوا يصنعون “31. والآية فى الباب كثيرة ومعلومة.
وفى الحديث بيان واضح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمرنا أمرا جازما بتغيير المنكرات والجرائم والمفاسد وتحويلها عن وجوهنا ووجوه أبنائنا والمسلمين بأيدينا وقوتنا جسما وعقلا، حتى لا تنتشر وتكثر وتزداد يوما بعد يوم. وقد روى ابن مسعود حديثا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من نبي بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون سنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل "41.
ومن أشد المنكرات وأفزعها وأخطرها فى أيامنا الحاضر المخدرات ( ألافيون، الهيرئين، الكوكا والكوكائين، الخمور، والدخان ) لا شك أن مشكلة المخدرات باتت من أخطر المشكلات التى تشغل بال المسئولين والمربين والعلماء فى جميع أنحاء العالم، وخاصة عالمنا الإسلامي المتمسك بالعقيدة الإسلامية السمحاء، وأصبح معروفا بأن المخدرات تضر بالمجتمع صحيا واقتصاديا ومعنويا واجتماعيا وطريقا إلى الهلاك والفساد والدمار. وانتشار المخدرات يرتبط إرتباطا وثيقا وقويا بالدعارة والشذوذ الجنسي والإنحراف وكما يرتبط أيضا بمرض الأيدز ( AIDS ) وهو مرض يقضى على قدرة الإنسان على المقاومة أو المناعة، ونعوذ بالله من ذلك.
وكيف نقاوم ونتصدى هذه المشكلات الخطيرة ؟
نعم، وقد تصدى علماء المسلمين وفقهاؤهم لقضية المخدرات منذ زمن بعيد، فقرروا حرمتها والإتجار بها. ونقل لنا السيد سابق فى كتابه : قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله تعالى : إن الحشيشة حرام يحد متناولها كما يحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، وهذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها الموجبة لسخط الله تعالى وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين المعرضة صاحبها لعقوبة الله، تستمل على ضرر فى دين المرء وعقله وطبعه51. هذا ما فعله العلماء الكرام.
والآن هل نكتفى بالفتاوى فقط ؟ حتى نستطيع أن نقاوم هذا الخطر الفزيع ؟ فالجواب لا. فعلى المسؤولين الذين لهم القوة والقدرة أن يشاركوا مشاركة فعالة لتغيير هذه الحالة الخطيرة، بل لهم فى أول صف من صفوف المقاومين. تـأمل أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قدم تغيير المنكرات باليد آي بالقوة والقدرة ثم باللسان وبعده بالقلب. والله أعلم.
الإستنباط :
ففى هذا الحديث النبوي الشريف دعوة إلى مكافحة المنكرات، ومنها المخدرات بعد أن بان ضررها وشاع سوء آثارها، وكانت عاقبة أمرها خسرا للإنسان والمال والمستقبل. فمن كان له سلطة وقدرة وقوة إزالة هذه المخدرات والقضاء على أوكارها وتجارها، كان لزاما عليه بتكليف من الحق تعالى ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحد ويجتهد فى مطاردة هذه الآفة. ومن لم يكن من أصحاب السلطة والقوة والقدرة، فإن عليه واجب الأمر بالمعروف. وكذالك إبلاغ السلطات بأوكارها وتجارها ومتعاطيها. وجميع الأفراد مطالبون بالأمر بالمعروف وبالإرشاد عن مرتكبى هذه الجريمة. والله أعلم.
5 . مروان هو أبو عبد الملك بن محمد بن مروان بن الحكم. يلقب بالجعدى نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم. وكان مشهورا بالفروسية، والاقدام، والرجلة، والدهاء، والعسف. فلما قتل الوليد وبلغه ذلك وهو علىت أرمينية دعا إلى بيعة من رضيه المسلمون فبايعوه. فخرج عليه بنو العباس وعليهم عبد الله بن علي عم السفاح. فسار لحربهم فالتقى الجمعان تقرب الموصل. فانكسر مروان فرجع إلى الشام، فتبعه عبد الله، ففر مروان إلى مصر فتبعه صالح أخو عبد الله، فالتقى بقرب بوصير، فقتل مروان بها فى ذى الحجة من السنة (أنظر الإمام السيوطي، ص : 238)
6 . أنظر الإمام أحمد بن حنبل، الجزء الثالث، ص : 20.
9 . الإمام إبن حجر العسقلانى (التهذيب) الجزء الثالث، ص : 289- 290.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar